المسألة الثانية : من الناس من تمسك بهذه الآية في أن الاسم نفس المسمى ، فأقول : إن الخوض في الاستدلال لا يمكن إلا بعد تلخيص محل النزاع ، فلا بد هاهنا من بيان أن الاسم ما هو والمسمى ما هو حتى يمكننا أن نخوض في ، فنقول : وإن كان المراد من الاسم هو هذا اللفظ ، وبالمسمى تلك الذات ، فالعاقل لا يمكنه أن يقول : الاسم هو المسمى ، وإن كان المراد ، من الاسم هو تلك الذات ، وبالمسمى أيضا تلك الذات كان قولنا الاسم نفس المسمى ، هو أن تلك الذات نفس تلك الذات ، وهذا لا يمكن أن ينازع فيه عاقل ، فعلمنا أن هذه المسألة في وصفها ركيكة . وإن كان كذلك كان الخوض في ذكر الاستدلال عليه أرك وأبعد بل هاهنا دقيقة ، وهي أن قولنا : اسم لفظة جعلناها اسما لكل ما دل على معنى غير مقترن بزمان ، والاسم كذلك فيلزم أن يكون الاسم اسما لنفسه فهاهنا الاسم نفس المسمى فلعل العلماء الأولين ذكروا ذلك فاشتبه الأمر على المتأخرين ، وظنوا أن الاسم في جميع المواضع نفس المسمى ، هذا حاصل التحقيق في هذه المسألة ، ولنرجع إلى الكلام المألوف ، قالوا : الذي يدل على أن الاسم نفس المسمى أن أحدا لا يقول سبحان اسم الله وسبحان اسم ربنا فمعنى سبح اسم ربك سبح ربك ، والرب أيضا اسم فلو كان غير المسمى لم يجز أن يقع التسبيح عليه ، واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف لما بينا في المسألة الأولى أنه يمكن أن يكون الأمر واردا بتسبيح الاسم ، ويمكن أن يكون المراد تسبيح المسمى وذكر الاسم صلة فيه . ويمكن أن يكون المراد سبح باسم ربك كما يقال : ( الاسم هل هو نفس المسمى أم لا فسبح باسم ربك العظيم ) ويكون المعنى سبح ربك بذكر أسمائه .
[ ص: 125 ] المسألة الثالثة : روي عن عقبة بن عامر فسبح باسم ربك العظيم ) قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اجعلوها في ركوعكم " ولما نزل قوله : ( سبح اسم ربك الأعلى ) قال : " اجعلوها في سجودكم " ثم روي في الأخبار أنه لما نزل قوله تعالى : ( ثم من العلماء من قال : إن هذه الأحاديث تدل على أن المراد من قوله : ( أنه عليه السلام كان يقول : في ركوعه : " سبحان ربي العظيم " وفي سجوده : " سبحان ربي الأعلى " سبح اسم ربك ) أي صل باسم ربك ، ويتأكد هذا الاحتمال بإطباق المفسرين على أن قوله تعالى : ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ) [ الروم : 17 ] ورد في بيان أوقات الصلاة .
المسألة الرابعة : قرأ علي عليه السلام : ( سبحان الأعلى الذي خلق فسوى ) ولعل الوجه فيه أن قوله : ( سبح ) أمر بالتسبيح فلا بد وأن يذكر ذلك التسبيح وما هو إلا قوله : سبحان ربي الأعلى . وابن عمر
المسألة الخامسة : تمسكت المجسمة في إثبات العلو بالمكان بقوله : ( ربك الأعلى ) والحق أن محال ، لأنه تعالى إما أن يكون متناهيا أو غير متناه ، فإن كان متناهيا كان طرفه الفوقاني متناهيا ، فكان فوقه جهة فلا يكون هو سبحانه أعلى من جميع الأشياء وأما إن كان غير متناه فالقول : بوجود أبعاد غير متناهية محال وأيضا فلأنه إن كان غير متناه من جميع الجهات يلزم أن تكون ذاته تعالى مختلطة بالقاذورات تعالى الله عنه ، وإن كان غير متناه من بعض الجهات ومتناهيا من بعض الجهات كان الجانب المتناهي مغايرا للجانب غير المتناهي فيكون مركبا من جزأين ، وكل مركب ممكن ، فواجب الوجود لذاته ممكن الوجود ، وهذا محال . فثبت أن العلو هاهنا ليس بمعنى العلو في الجهة ، مما يؤكد ذلك أن ما قبل هذه الآية وما بعدها ينافي أن يكون المراد هو العلو بالجهة ، أما ما قبل الآية فلأن العلو عبارة عن كونه في غاية البعد عن العالم ، وهذا لا يناسب استحقاق التسبيح والثناء والتعظيم ، أما العلو بمعنى كمال القدرة والتفرد بالتخليق والإبداع فيناسب ذلك ، والسورة هاهنا مذكورة لبيان وصفه تعالى بما لأجله يستحق الحمد والثناء والتعظيم ، وأما ما بعد هذه الآية فلأنه أردف قوله : ( الأعلى ) بقوله : ( العلو بالجهة على الله تعالى الذي خلق فسوى ) والخالقية تناسب العلو بحسب القدرة لا العلو بحسب الجهة .