[ ص: 130 ]
(
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=8ونيسرك لليسرى )
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=8ونيسرك لليسرى ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=30614اليسرى هي أعمال الخير التي تؤدي إلى اليسر ، إذا عرفت هذا فنقول : للمفسرين فيه وجوه :
أحدها : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=8ونيسرك ) معطوف على (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=6سنقرئك ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=7إنه يعلم الجهر وما يخفى ) اعتراض ، والتقدير : سنقرئك فلا تنسى ، ونوفقك للطريقة التي هي أسهل وأيسر ، يعني في حفظ القرآن .
وثانيها : قال
ابن مسعود : اليسرى الجنة ، والمعنى نيسرك للعمل المؤدي إليها .
وثالثها : نهون عليك الوحي حتى تحفظه وتعلمه وتعمل به .
ورابعها : نوفقك للشريعة وهي الحنيفية السهلة السمحة ، والوجه الأول أقرب .
المسألة الثانية : لسائل أن يسأل فيقول العبارة المعتادة أن يقال : جعل الفعل الفلاني ميسرا لفلان ، ولا يقال : جعل فلان ميسرا للفعل الفلاني فما الفائدة فيه ههنا ؟ .
الجواب : أن هذه العبارة كما أنها اختيار القرآن في هذا الموضع ، وفي سورة الليل أيضا ، فكذا هي اختيار الرسول في قوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013948اعملوا nindex.php?page=treesubj&link=30455فكل ميسر لما خلق له " وفيه لطيفة علمية ، وذلك لأن ذلك الفعل في نفسه ماهية ممكنة قابلة للوجود والعدم على السوية ، فما دام القادر يبقى بالنسبة إلى فعلها وتركها على السوية امتنع صدور الفعل عنه ، فإذا ترجح جانب الفاعلية على جانب التاركية ، فحينئذ يحصل الفعل ، فثبت أن الفعل ما لم يجب لم يوجد ، وذلك الرجحان هو المسمى بالتيسير ، فثبت أن الأمر بالتحقيق هو أن الفاعل يصير ميسرا للفعل ، لا أن الفعل يصير ميسرا للفاعل ، فسبحان من له تحت كل كلمة حكمة خفية وسر عجيب يبهر العقول .
المسألة الثالثة : إنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=8ونيسرك لليسرى ) بنون التعظيم لتكون عظمة المعطي دالة على عظمة العطاء ، نظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إنا نحن نزلنا الذكر ) [ الحجر : 9 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إنا أعطيناك الكوثر ) [ الكوثر : 1 ] دلت هذه الآية على
nindex.php?page=treesubj&link=30614_31033أنه سبحانه فتح عليه من أبواب التيسير والتسهيل ما لم يفتحه على أحد غيره ، وكيف لا وقد كان صبيا لا أب له ولا أم له نشأ في قوم جهال ، ثم إنه تعالى جعله في أفعاله وأقواله قدوة للعالمين ، وهديا للخلق أجمعين .
[ ص: 130 ]
(
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=8وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى )
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=8وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=30614الْيُسْرَى هِيَ أَعْمَالُ الْخَيْرِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْيُسْرِ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : لِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=8وَنُيَسِّرُكَ ) مَعْطُوفٌ عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=6سَنُقْرِئُكَ ) وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=7إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ) اعْتِرَاضٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ، وَنُوَفِّقُكَ لِلطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ أَسْهَلُ وَأَيْسَرُ ، يَعْنِي فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ .
وَثَانِيهَا : قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ : الْيُسْرَى الْجَنَّةُ ، وَالْمَعْنَى نُيَسِّرُكَ لِلْعَمَلِ الْمُؤَدِّي إِلَيْهَا .
وَثَالِثُهَا : نُهَوِّنُ عَلَيْكَ الْوَحْيَ حَتَّى تَحْفَظَهُ وَتَعْلَمَهُ وَتَعْمَلَ بِهِ .
وَرَابِعُهَا : نُوَفِّقُكَ لِلشَّرِيعَةِ وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ السَّهْلَةُ السَّمْحَةُ ، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لِسَائِلٍ أَنْ يَسْأَلَ فَيَقُولَ الْعِبَارَةَ الْمُعْتَادَةَ أَنْ يُقَالَ : جُعِلَ الْفِعْلُ الْفُلَانِيُّ مُيَسَّرًا لِفُلَانٍ ، وَلَا يُقَالُ : جُعِلَ فُلَانٌ مُيَسَّرًا لِلْفِعْلِ الْفُلَانِيِّ فَمَا الْفَائِدَةُ فِيهِ هَهُنَا ؟ .
الْجَوَابُ : أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ كَمَا أَنَّهَا اخْتِيَارُ الْقُرْآنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَفِي سُورَةِ اللَّيْلِ أَيْضًا ، فَكَذَا هِيَ اخْتِيَارُ الرَّسُولِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013948اعْمَلُوا nindex.php?page=treesubj&link=30455فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " وَفِيهِ لَطِيفَةٌ عِلْمِيَّةٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ فِي نَفْسِهِ مَاهِيَّةٌ مُمْكِنَةٌ قَابِلَةٌ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ عَلَى السَّوِيَّةِ ، فَمَا دَامَ الْقَادِرُ يَبْقَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا عَلَى السَّوِيَّةِ امْتَنَعَ صُدُورُ الْفِعْلِ عَنْهُ ، فَإِذَا تَرَجَّحَ جَانِبُ الْفَاعِلِيَّةِ عَلَى جَانِبِ التَّارِكِيَّةِ ، فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ الْفِعْلُ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْفِعْلَ مَا لَمْ يَجِبْ لَمْ يُوجَدْ ، وَذَلِكَ الرُّجْحَانُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالتَّيْسِيرِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّحْقِيقِ هُوَ أَنَّ الْفَاعِلَ يَصِيرُ مُيَسَّرًا لِلْفِعْلِ ، لَا أَنَّ الْفِعْلَ يَصِيرُ مُيَسَّرًا لِلْفَاعِلِ ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَهُ تَحْتَ كُلِّ كَلِمَةٍ حِكْمَةٌ خَفِيَّةٌ وَسِرٌّ عَجِيبٌ يُبْهِرُ الْعُقُولَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : إِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=8وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ) بِنُونِ التَّعْظِيمِ لِتَكُونَ عَظَمَةُ الْمُعْطِي دَالَّةً عَلَى عَظَمَةِ الْعَطَاءِ ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ) [ الْحِجْرِ : 9 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=1إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) [ الْكَوْثَرِ : 1 ] دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30614_31033أَنَّهُ سُبْحَانَهُ فَتَحَ عَلَيْهِ مِنْ أَبْوَابِ التَّيْسِيرِ وَالتَّسْهِيلِ مَا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ ، وَكَيْفَ لَا وَقَدْ كَانَ صَبِيًّا لَا أَبَ لَهُ وَلَا أُمَّ لَهُ نَشَأَ فِي قَوْمٍ جُهَّالٍ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ قُدْوَةً لِلْعَالَمِينَ ، وَهَدْيًا لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ .