(
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=10سيذكر من يخشى )
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=10سيذكر من يخشى )
ففيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=31825_30336الناس في أمر المعاد على ثلاثة أقسام منهم من قطع بصحته ، ومنهم من جوز وجوده ولكنه غير قاطع فيه لا بالنفي ولا بالثبات ، ومنهم من أصر على إنكاره وقطع بأنه لا يكون فالقسمان الأولان تكون الخشية حاصلة لهما ، وأما القسم الثالث فلا خشية له ولا خوف ، إذا عرفت ذلك ظهر أن
[ ص: 132 ] الآية تحتمل تفسيرين :
أحدهما : أن يقال : الذي يخشى هو الذي يكون عارفا بالله وعارفا بكمال قدرته وعلمه وحكمته ، وذلك يقتضي كونه قاطعا بصحة المعاد ولذلك قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر : 28 ] فكأنه تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=9فذكر إن نفعت الذكرى ) بين في هذه الآية أن الذي تنفعه الذكرى من هو ، ولما كان الانتفاع بالذكرى مبنيا على حصول الخشية في القلب ، وصفات القلوب مما لا اطلاع لأحد عليها إلا الله سبحانه وجب على الرسول تعميم الدعوة تحصيلا للمقصود ، فإن المقصود تذكير من ينتفع بالتذكير ، ولا سبيل إليه إلا بتعميم التذكير .
الثاني : أن يقال : إن الخشية حاصلة للعاملين وللمتوقفين غير المعاندين وأكثر الخلق متوقفون غير معاندين ، والمعاند فيهم قليل ، فإذا ضم إلى المتوقفين الذين لهم الغلبة العارفون كانت الغلبة العظيمة لغير المعاندين ، ثم إن كثيرا من المعاندين ، إنما يعاندون باللسان ، فأما المعاند في قلبه بينه وبين نفسه فذلك مما لا يكون أو إن كان فهو في غاية الندرة والقلة ، ثم إن الإنسان إذا سمع التخويف بأنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=12يصلى النار الكبرى ) وأنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=13لا يموت فيها ولا يحيا ) انكسر قلبه فلا بد وأن يستمع وينتفع أغلب الخلق في أغلب الأحوال ، وأما ذلك المعرض فنادر ، وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير ، فمن هذا الوجه كان قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=9فذكر إن نفعت الذكرى ) يوجب تعميم التذكير .
المسألة الثالثة : السين في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=10سيذكر ) يحتمل أن تكون بمعنى : سوف يذكر ، وسوف من الله واجب كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=6سنقرئك فلا تنسى ) ويحتمل أن يكون المعنى أن من خشي الله فإنه يتذكر وإن كان بعد حين بما يستعمله من التدبر والنظر فهو بعد طول المدة يذكر ، والله أعلم .
المسألة الرابعة : العلم إنما يسمى تذكرا إذا كان قد حصل العلم أولا ثم نسيه وهذه الحالة غير حاصلة للكفار فكيف سمى الله تعالى ذلك بالتذكر ؟ وجوابه : أن لقوة الدلائل وظهورها كأن ذلك العلم كان حاصلا ، ثم إنه زال بسبب التقليد والعناد . فلهذا أسماه الله تعالى بالتذكر .
المسألة الخامسة : قيل : نزلت هذه الآية في
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان ، وقيل : نزلت في ابن أم مكتوم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=10سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى )
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=10سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى )
فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31825_30336النَّاسَ فِي أَمْرِ الْمَعَادِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِصِحَّتِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ وُجُودَهُ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ قَاطِعٍ فِيهِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالثَّبَاتِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَصَرَّ عَلَى إِنْكَارِهِ وَقَطَعَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فَالْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ تَكُونُ الْخَشْيَةُ حَاصِلَةً لَهُمَا ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَلَا خَشْيَةَ لَهُ وَلَا خَوْفَ ، إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ
[ ص: 132 ] الْآيَةَ تَحْتَمِلُ تَفْسِيرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يُقَالَ : الَّذِي يَخْشَى هُوَ الَّذِي يَكُونُ عَارِفًا بِاللَّهِ وَعَارِفًا بِكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ قَاطِعًا بِصِحَّةِ الْمَعَادِ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) [ فَاطِرٍ : 28 ] فَكَأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=9فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ) بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الَّذِي تَنْفَعُهُ الذِّكْرَى مَنْ هُوَ ، وَلَمَّا كَانَ الِانْتِفَاعُ بِالذِّكْرَى مَبْنِيًّا عَلَى حُصُولِ الْخَشْيَةِ فِي الْقَلْبِ ، وَصِفَاتُ الْقُلُوبِ مِمَّا لَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَجَبَ عَلَى الرَّسُولِ تَعْمِيمُ الدَّعْوَةِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ تَذْكِيرُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِالتَّذْكِيرِ ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا بِتَعْمِيمِ التَّذْكِيرِ .
الثَّانِي : أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الْخَشْيَةَ حَاصِلَةٌ لِلْعَامِلِينَ وَلِلْمُتَوَقِّفِينَ غَيْرِ الْمُعَانِدِينَ وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ مُتَوَقِّفُونَ غَيْرُ مُعَانِدِينَ ، وَالْمُعَانِدُ فِيهِمْ قَلِيلٌ ، فَإِذَا ضُمَّ إِلَى الْمُتَوَقِّفِينَ الَّذِينَ لَهُمُ الْغَلَبَةُ الْعَارِفُونَ كَانَتِ الْغَلَبَةُ الْعَظِيمَةُ لِغَيْرِ الْمُعَانِدِينَ ، ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُعَانِدِينَ ، إِنَّمَا يُعَانِدُونَ بِاللِّسَانِ ، فَأَمَّا الْمُعَانِدُ فِي قَلْبِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ فَذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ أَوْ إِنْ كَانَ فَهُوَ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ وَالْقِلَّةِ ، ثُمَّ إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا سَمِعَ التَّخْوِيفَ بِأَنَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=12يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ) وَأَنَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=13لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا ) انْكَسَرَ قَلْبُهُ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَسْتَمِعَ وَيَنْتَفِعَ أَغْلَبُ الْخَلْقِ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ ، وَأَمَّا ذَلِكَ الْمُعْرِضُ فَنَادِرٌ ، وَتَرْكُ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ لِأَجْلِ الشَّرِّ الْقَلِيلِ شَرٌّ كَثِيرٌ ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=9فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ) يُوجِبُ تَعْمِيمَ التَّذْكِيرِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : السِّينُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=10سَيَذَّكَّرُ ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى : سَوْفَ يَذَّكَّرُ ، وَسَوْفَ مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=6سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ فَإِنَّهُ يَتَذَكَّرُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ حِينٍ بِمَا يَسْتَعْمِلُهُ مِنَ التَّدَبُّرِ وَالنَّظَرِ فَهُوَ بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ يَذَّكَّرُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : الْعِلْمُ إِنَّمَا يُسَمَّى تَذَكُّرًا إِذَا كَانَ قَدْ حَصَلَ الْعِلْمُ أَوَّلًا ثُمَّ نَسِيَهُ وَهَذِهِ الْحَالَةُ غَيْرُ حَاصِلَةٍ لِلْكَفَّارِ فَكَيْفَ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِالتَّذَكُّرِ ؟ وَجَوَابُهُ : أَنَّ لِقُوَّةِ الدَّلَائِلِ وَظُهُورِهَا كَأَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ كَانَ حَاصِلًا ، ثُمَّ إِنَّهُ زَالَ بِسَبَبِ التَّقْلِيدِ وَالْعِنَادِ . فَلِهَذَا أَسْمَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّذَكُّرِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قِيلَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ .