(
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21كلا إذا دكت الأرض دكا دكا nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك والملك صفا صفا nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21كلا إذا دكت الأرض دكا دكا nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك والملك صفا صفا nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى )
اعلم أن قوله : ( كلا ) ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم أي لا ينبغي أن يكون الأمر هكذا في
nindex.php?page=treesubj&link=29498_29497الحرص على الدنيا وقصر الهمة والجهاد على تحصيلها والاتكال عليها وترك المواساة منها وجمعها من حيث تتهيأ من حل أو حرام ، وتوهم أن لا حساب ولا جزاء . فإن من كان هذا حاله يندم حين لا تنفعه الندامة ويتمنى أن لو كان أفنى عمره في التقرب بالأعمال الصالحة والمواساة من المال إلى الله تعالى ، ثم بين أنه إذا جاء يوم موصوف بصفات ثلاثة فإنه يحصل ذلك التمني وتلك الندامة .
الصفة الأولى : من صفات ذلك اليوم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=29060_30296إذا دكت الأرض دكا دكا ) قال
الخليل : الدك كسر الحائط والجبل ، والدكداك رمل متلبد ، ورجل مدك شديد الوطء على الأرض ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : الدك حط المرتفع بالبسط ، واندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره ، وناقة دكاء إذا كانت كذلك ومنه الدكان لاستوائه في الانفراش ، فمعنى الدك على قول
الخليل : كسر كل شيء على وجه الأرض من جبل أو شجر حين زلزلت فلم
[ ص: 158 ] يبق على ظهرها شيء ، وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : معناه أنها استوت في الانفراش فذهبت دورها وقصورها وسائر أبنيتها حتى تصير كالصخرة الملساء ، وهذا معنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : تمد الأرض يوم القيامة .
واعلم أن التكرار في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21دكا دكا ) معناه دكا بعد دك كقولك حسبته بابا بابا وعلمته حرفا حرفا أي : كرر عليها الدك حتى صارت هباء منثورا . واعلم أن هذا التدكدك لا بد وأن يكون متأخرا عن الزلزلة ، فإذا زلزلت الأرض زلزلة بعد زلزلة وحركت تحريكا بعد تحريك انكسرت الجبال التي عليها وانهدمت التلال وامتلأت الأغوار وصارت ملساء ، وذلك عند انقضاض الدنيا وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=6يوم ترجف الراجفة nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=7تتبعها الرادفة ) [ النازعات : 6 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=14وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ) [ الحاقة : 14 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=4إذا رجت الأرض رجا nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وبست الجبال بسا ) [ الواقعة : 4 ] .
الصفة الثانية : من صفات ذلك اليوم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك والملك صفا صفا ) .
واعلم أنه ثبت بالدليل العقلي أن
nindex.php?page=treesubj&link=29624_29442الحركة على الله تعالى محال ، لأن كل ما كان كذلك كان جسما والجسم يستحيل أن يكون أزليا فلا بد فيه من التأويل ، وهو أن هذا من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، ثم ذلك المضاف ما هو ؟ فيه وجوه :
أحدها : وجاء أمر ربك بالمحاسبة والمجازاة .
وثانيها : وجاء قهر ربك كما يقال جاءتنا
بنو أمية أي : قهرهم .
وثالثها : وجاء جلائل آيات ربك لأن هذا يكون يوم القيامة ، وفي ذلك اليوم تظهر العظائم وجلائل الآيات ، فجعل مجيئها مجيئا له تفخيما لشأن تلك الآيات .
ورابعها : وجاء ظهور ربك ، وذلك لأن معرفة الله تصير في ذلك اليوم ضرورية فصار ذلك كظهوره وتجليه للخلق ، فقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك ) أي زالت الشبهة وارتفعت الشكوك .
خامسها : أن هذا تمثيل لظهور آيات الله وتبيين آثار قهره وسلطانه ، مثلت حاله في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ، فإنه يظهر بمجرد حضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلها .
وسادسها : أن الرب هو المربي ، ولعل ملكا هو أعظم الملائكة هو مربي للنبي صلى الله عليه وسلم جاء فكان هو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك ) .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22والملك صفا صفا ) فالمعنى أنه تنزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف محدقين بالجن والإنس .
الصفة الثالثة : من صفات ذلك اليوم قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=29060_30296_30434وجيء يومئذ بجهنم ) ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=91وبرزت الجحيم للغاوين ) [ الشعراء : 91 ] قال جماعة من المفسرين : جيء بها يوم القيامة مزمومة بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها حتى تنصب عن يسار العرش فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع ، قال الأصوليون : ومعلوم أنها لا تنفك عن مكانها ، فالمراد (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=36وبرزت ) أي ظهرت حتى رآها الخلق ، وعلم الكافر أن مصيره إليها ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23يومئذ يتذكر الإنسان ) واعلم أن تقدير الكلام : إذا دكت الأرض وحصل كذا وكذا فيومئذ يتذكر الإنسان ، وفي تذكره وجوه :
الأول : أنه يتذكر ما فرط فيه لأنه حين كان في الدنيا كانت همته تحصيل الدنيا ، ثم إنه في الآخرة يتذكر أن ذلك كان ضلالا ، وكان الواجب عليه أن تكون همته تحصيل الآخرة .
الثاني : يتذكر أي : يتعظ ، والمعنى أنه ما كان يتعظ في الدنيا فيصير في الآخرة متعظا فيقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=27ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ) [ الأنعام : 27 ] .
الثالث : يتذكر يتوب وهو مروي عن
الحسن ، ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=13أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ) [ الدخان : 13 ] :
[ ص: 159 ]
واعلم أن بين قوله : ( يتذكر ) وبين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وأنى له الذكرى ) تناقضا فلا بد من إضمار المضاف والمعنى ومن أين له منفعة الذكرى .
ويتفرع على هذه الآية مسألة أصوليه ، وهي أن
nindex.php?page=treesubj&link=19729قبول التوبة عندنا غير واجب على الله عقلا ، وقالت
المعتزلة : هو واجب . فنقول : الدليل على قولنا أن الآية دلت ههنا على أن الإنسان يعلم في الآخرة أن الذي يعمله في الدنيا لم يكن أصلح له وإن الذي تركه كان أصلح له ، ومهما عرف ذلك لا بد وأن يندم عليه ، وإذا حصل الندم فقد حصلت التوبة ، ثم إنه تعالى نفى كون تلك التوبة نافعة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وأنى له الذكرى ) فعلمنا أن التوبة لا يجب عقلا قبولها ، فإن قيل : القوم إنما ندموا على أفعالهم لا لوجه قبحها بل لترتب العقاب عليها ، فلا جرم ما كانت التوبة صحيحة ؟ قلنا : القوم لما علموا أن الندم على القبيح لا بد وأن يكون لوجه قبحه حتى يكون نافعا وجب أن يكون ندمهم واقعا على هذا الوجه ، فحينئذ يكونون آتين بالتوبة الصحيحة مع عدم القبول ، فصح قولنا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى )
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ : ( كَلَّا ) رَدْعٌ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْكَارٌ لِفِعْلِهِمْ أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ هَكَذَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29498_29497الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا وَقَصْرِ الْهِمَّةِ وَالْجِهَادِ عَلَى تَحْصِيلِهَا وَالِاتِّكَالِ عَلَيْهَا وَتَرْكِ الْمُوَاسَاةِ مِنْهَا وَجَمْعِهَا مِنْ حَيْثُ تَتَهَيَّأُ مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَامٍ ، وَتَوَهَّمَ أَنْ لَا حِسَابَ وَلَا جَزَاءَ . فَإِنَّ مَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ يَنْدَمُ حِينَ لَا تَنْفَعُهُ النَّدَامَةُ وَيَتَمَنَّى أَنْ لَوْ كَانَ أَفْنَى عُمْرَهُ فِي التَّقَرُّبِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْمُوَاسَاةِ مِنَ الْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ يَوْمٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتٍ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ ذَلِكَ التَّمَنِّي وَتِلْكَ النَّدَامَةُ .
الصِّفَةُ الْأُولَى : مِنْ صِفَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21nindex.php?page=treesubj&link=29060_30296إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ) قَالَ
الْخَلِيلُ : الدَّكُّ كَسْرُ الْحَائِطِ وَالْجَبَلِ ، وَالدَّكْدَاكُ رَمْلٌ مُتَلَبِّدٌ ، وَرَجُلٌ مِدَكٌّ شَدِيدُ الْوَطْءِ عَلَى الْأَرْضِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ : الدَّكُّ حَطُّ الْمُرْتَفِعِ بِالْبَسْطِ ، وَانْدَكَّ سَنَامُ الْبَعِيرِ إِذَا انْفَرَشَ فِي ظَهْرِهِ ، وَنَاقَةٌ دَكَّاءُ إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ وَمِنْهُ الدُّكَّانُ لِاسْتِوَائِهِ فِي الِانْفِرَاشِ ، فَمَعْنَى الدَّكِّ عَلَى قَوْلِ
الْخَلِيلِ : كَسْرُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ جَبَلٍ أَوْ شَجَرٍ حِينَ زُلْزِلَتْ فَلَمْ
[ ص: 158 ] يَبْقَ عَلَى ظَهْرِهَا شَيْءٌ ، وَعَلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدِ : مَعْنَاهُ أَنَّهَا اسْتَوَتْ فِي الِانْفِرَاشِ فَذَهَبَتْ دُورُهَا وَقُصُورُهَا وَسَائِرُ أَبْنِيَتِهَا حَتَّى تَصِيرَ كَالصَّخْرَةِ الْمَلْسَاءِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : تُمَدُّ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّكْرَارَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21دَكًّا دَكًّا ) مَعْنَاهُ دَكًّا بَعْدَ دَكٍّ كَقَوْلِكَ حَسِبْتُهُ بَابًا بَابًا وَعَلِمْتُهُ حَرْفًا حَرْفًا أَيْ : كُرِّرَ عَلَيْهَا الدَّكُّ حَتَّى صَارَتْ هَبَاءً مَنْثُورًا . وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّدَكْدُكَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنِ الزَّلْزَلَةِ ، فَإِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زَلْزَلَةً بَعْدَ زَلْزَلَةٍ وَحُرِّكَتْ تَحْرِيكًا بَعْدَ تَحْرِيكٍ انْكَسَرَتِ الْجِبَالُ الَّتِي عَلَيْهَا وَانْهَدَمَتِ التِّلَالُ وَامْتَلَأَتِ الْأَغْوَارُ وَصَارَتْ مَلْسَاءَ ، وَذَلِكَ عِنْدَ انْقِضَاضِ الدُّنْيَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=6يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=7تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ) [ النَّازِعَاتِ : 6 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=14وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ) [ الْحَاقَّةِ : 14 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=4إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) [ الْوَاقِعَةِ : 4 ] .
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ : مِنْ صِفَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29624_29442الْحَرَكَةَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ ، لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ جِسْمًا وَالْجِسْمُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ أَزَلِيًّا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّأْوِيلِ ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ ، ثُمَّ ذَلِكَ الْمُضَافُ مَا هُوَ ؟ فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : وَجَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ بِالْمُحَاسَبَةِ وَالْمُجَازَاةِ .
وَثَانِيهَا : وَجَاءَ قَهْرُ رَبِّكَ كَمَا يُقَالُ جَاءَتْنَا
بَنُو أُمَيَّةَ أَيْ : قَهْرُهُمْ .
وَثَالِثُهَا : وَجَاءَ جَلَائِلُ آيَاتِ رَبِّكَ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَظْهَرُ الْعَظَائِمُ وَجَلَائِلُ الْآيَاتِ ، فَجُعِلَ مَجِيئُهَا مَجِيئًا لَهُ تَفْخِيمًا لِشَأْنِ تِلْكَ الْآيَاتِ .
وَرَابِعُهَا : وَجَاءَ ظُهُورُ رَبِّكَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَصِيرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ضَرُورِيَّةً فَصَارَ ذَلِكَ كَظُهُورِهِ وَتَجَلِّيهِ لِلْخَلْقِ ، فَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ ) أَيْ زَالَتِ الشُّبْهَةُ وَارْتَفَعَتِ الشُّكُوكُ .
خَامِسُهَا : أَنَّ هَذَا تَمْثِيلٌ لِظُهُورِ آيَاتِ اللَّهِ وَتَبْيِينِ آثَارِ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ ، مُثِّلَتْ حَالُهُ فِي ذَلِكَ بِحَالِ الْمَلِكِ إِذَا حَضَرَ بِنَفْسِهِ ، فَإِنَّهُ يَظْهَرُ بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ مِنْ آثَارِ الْهَيْبَةِ وَالسِّيَاسَةِ مَا لَا يَظْهَرُ بِحُضُورِ عَسَاكِرِهِ كُلِّهَا .
وَسَادِسُهَا : أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْمُرَبِّي ، وَلَعَلَّ مَلَكًا هُوَ أَعْظَمُ الْمَلَائِكَةِ هُوَ مُرَبِّي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ فَكَانَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ ) .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) فَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَنَزَّلَ مَلَائِكَةُ كُلِّ سَمَاءٍ فَيَصْطَفُّونَ صَفًّا بَعْدَ صَفٍّ مُحَدِّقِينَ بِالْجِنِّ وَالْإِنْسِ .
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ : مِنْ صِفَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=29060_30296_30434وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=91وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 91 ] قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ : جِيءَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَزْمُومَةً بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا حَتَّى تَنْصَبَّ عَنْ يَسَارِ الْعَرْشِ فَتَشْرُدُ شَرْدَةً لَوْ تُرِكَتْ لَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْجَمْعِ ، قَالَ الْأُصُولِيُّونَ : وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ مَكَانِهَا ، فَالْمُرَادُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=36وَبُرِّزَتِ ) أَيْ ظَهَرَتْ حَتَّى رَآهَا الْخَلْقُ ، وَعَلِمَ الْكَافِرُ أَنَّ مَصِيرَهُ إِلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ ) وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ : إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ وَحَصَلَ كَذَا وَكَذَا فَيَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ ، وَفِي تَذَكُّرِهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ يَتَذَكَّرُ مَا فَرَّطَ فِيهِ لِأَنَّهُ حِينَ كَانَ فِي الدُّنْيَا كَانَتْ هِمَّتُهُ تَحْصِيلَ الدُّنْيَا ، ثُمَّ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ يَتَذَكَّرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ ضَلَالًا ، وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ هِمَّتُهُ تَحْصِيلَ الْآخِرَةِ .
الثَّانِي : يَتَذَكَّرُ أَيْ : يَتَّعِظُ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ مَا كَانَ يَتَّعِظُ فِي الدُّنْيَا فَيَصِيرُ فِي الْآخِرَةِ مُتَّعِظًا فَيَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=27يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا ) [ الْأَنْعَامِ : 27 ] .
الثَّالِثُ : يَتَذَكَّرُ يَتُوبُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ
الْحَسَنِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=13أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ) [ الدُّخَانِ : 13 ] :
[ ص: 159 ]
وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْنَ قَوْلِهِ : ( يَتَذَكَّرُ ) وَبَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ) تَنَاقُضًا فَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ الْمُضَافِ وَالْمَعْنَى وَمِنْ أَيْنَ لَهُ مَنْفَعَةُ الذِّكْرَى .
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّهٌ ، وَهِيَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19729قَبُولَ التَّوْبَةِ عِنْدَنَا غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى اللَّهِ عَقْلًا ، وَقَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : هُوَ وَاجِبٌ . فَنَقُولُ : الدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ هَهُنَا عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَعْلَمُ فِي الْآخِرَةِ أَنَّ الَّذِي يَعْمَلُهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ أَصْلَحَ لَهُ وَإِنَّ الَّذِي تَرَكَهُ كَانَ أَصْلَحَ لَهُ ، وَمَهْمَا عَرَفَ ذَلِكَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَنْدَمَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا حَصَلَ النَّدَمُ فَقَدْ حَصَلَتِ التَّوْبَةُ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى نَفَى كَوْنَ تِلْكَ التَّوْبَةِ نَافِعَةً بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=23وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ) فَعَلِمْنَا أَنَّ التَّوْبَةَ لَا يَجِبُ عَقْلًا قَبُولُهَا ، فَإِنْ قِيلَ : الْقَوْمُ إِنَّمَا نَدِمُوا عَلَى أَفْعَالِهِمْ لَا لِوَجْهِ قُبْحِهَا بَلْ لِتُرَتِّبِ الْعِقَابِ عَلَيْهَا ، فَلَا جَرَمَ مَا كَانَتِ التَّوْبَةُ صَحِيحَةً ؟ قُلْنَا : الْقَوْمُ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّ النَّدَمَ عَلَى الْقَبِيحِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِوَجْهِ قُبْحِهِ حَتَّى يَكُونَ نَافِعًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَدَمُهُمْ وَاقِعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُونَ آتِينَ بِالتَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ مَعَ عَدَمِ الْقَبُولِ ، فَصَحَّ قَوْلُنَا .