(
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية )
nindex.php?page=treesubj&link=29069قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : الوجه في حسن تقديم الوعيد على الوعد وجوه :
أحدها : أن الوعيد كالدواء ، والوعد كالغذاء ، ويجب تقديم الدواء حتى إذا صار البدن نقيا انتفع بالغذاء ، فإن البدن غير النقي كلما غذوته زدته شرا ، هكذا قاله بقراط في كتاب الفصول .
وثانيها : أن الجلد بعد الدبغ يصير صالحا للمدارس والخف ، أما قبله فلا ، ولذلك فإن الإنسان متى وقع في محنة أو شدة رجع إلى الله ، فإذا نال الدنيا أعرض ، على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) [ العنكبوت : 65 ] .
وثالثها : أن فيه بشارة ، كأنه تعالى يقول : لما لم يكن بد من الأمرين ختمت بالوعد الذي هو بشارة مني في أني أختم أمرك بالخير ، ألست كنت نجسا في
[ ص: 49 ] مكان نجس ، ثم أخرجتك إلى الدنيا طاهرا ، أفلا أخرجك إلى الجنة طاهرا! .
المسألة الثانية : احتج من قال : إن الطاعات ليست داخلة في مسمى الإيمان بأن الأعمال الصالحة معطوفة في هذه الآية على الإيمان ، والمعطوف غير المعطوف عليه .
المسألة الثالثة : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7إن الذين آمنوا ) ولم يقل : إن المؤمنين إشارة إلى أنهم أقاموا سوق الإسلام حال كساده ، وبذلوا الأموال والمهج لأجله ، ولهذا السبب استحقوا الفضيلة العظمى كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=10لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) [ الحديد : 10 ] ولفظة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7آمنوا ) أي فعلوا الإيمان مرة .
واعلم أن الذين يعتبرون الموافاة يحتجون بهذه الآية ، وذلك لأنها تدل على أن من أتى بالإيمان مرة واحدة فله هذا الثواب ، والذي يموت على الكفر لا يكون له هذا الثواب ، فعلمنا أنه ما صدر الإيمان عنه في الحقيقة قبل ذلك .
المسألة الرابعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7وعملوا الصالحات ) من مقابلة الجمع بالجمع ، فلا يكلف الواحد بجميع الصالحات ، بل لكل مكلف حظ ، فحظ الغني الإعطاء ، وحظ الفقير الأخذ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ )
nindex.php?page=treesubj&link=29069قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) فِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْوَجْهُ فِي حُسْنِ تَقْدِيمِ الْوَعِيدِ عَلَى الْوَعْدِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْوَعِيدَ كَالدَّوَاءِ ، وَالْوَعْدَ كَالْغِذَاءِ ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الدَّوَاءِ حَتَّى إِذَا صَارَ الْبَدَنُ نَقِيًّا انْتَفَعَ بِالْغِذَاءِ ، فَإِنَّ الْبَدَنَ غَيْرَ النَّقِيِّ كُلَّمَا غَذَوْتَهُ زِدْتَهُ شَرًّا ، هَكَذَا قَالَهُ بُقْرَاطُ فِي كِتَابِ الْفُصُولِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْجِلْدَ بَعْدَ الدَّبْغِ يَصِيرُ صَالِحًا لِلْمَدَارِسِ وَالْخُفِّ ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَتَى وَقَعَ فِي مِحْنَةٍ أَوْ شَدَّةٍ رَجَعَ إِلَى اللَّهِ ، فَإِذَا نَالَ الدُّنْيَا أَعْرَضَ ، عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 65 ] .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ فِيهِ بِشَارَةً ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لَمَّا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ خَتَمْتُ بِالْوَعْدِ الَّذِي هُوَ بِشَارَةٌ مِنِّي فِي أَنِّي أَخْتِمُ أَمْرَكَ بِالْخَيْرِ ، أَلَسْتَ كُنْتَ نَجِسًا فِي
[ ص: 49 ] مَكَانٍ نَجِسٍ ، ثُمَّ أَخْرَجْتُكَ إِلَى الدُّنْيَا طَاهِرًا ، أَفَلَا أُخْرِجُكَ إِلَى الْجَنَّةِ طَاهِرًا! .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : احْتَجَّ مَنْ قَالَ : إِنَّ الطَّاعَاتِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ بِأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ مَعْطُوفَةٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) وَلَمْ يَقُلْ : إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ أَقَامُوا سُوقَ الْإِسْلَامِ حَالَ كَسَادِهِ ، وَبَذَلُوا الْأَمْوَالَ وَالْمُهَجَ لِأَجْلِهِ ، وَلِهَذَا السَّبَبِ اسْتَحَقُّوا الْفَضِيلَةَ الْعُظْمَى كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=10لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ) [ الْحَدِيدِ : 10 ] وَلَفْظَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7آمَنُوا ) أَيْ فَعَلُوا الْإِيمَانَ مَرَّةً .
وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ يَعْتَبِرُونَ الْمُوَافَاةَ يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَى بِالْإِيمَانِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَهُ هَذَا الثَّوَابُ ، وَالَّذِي يَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَكُونُ لَهُ هَذَا الثَّوَابُ ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مَا صَدَرَ الْإِيمَانُ عَنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَبْلَ ذَلِكَ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=7وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ ، فَلَا يُكَلَّفُ الْوَاحِدُ بِجَمِيعِ الصَّالِحَاتِ ، بَلْ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ حَظٌّ ، فَحَظُّ الْغَنِيِّ الْإِعْطَاءُ ، وَحَظُّ الْفَقِيرِ الْأَخْذُ .