أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128وتب علينا ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : احتج من جوز
nindex.php?page=treesubj&link=28751_19717_29488_21384الذنب على الأنبياء بهذه الآية قال : لأن التوبة مشروطة بتقدم الذنب ، فلولا تقدم الذنب وإلا لكان طلب التوبة طلبا للمحال ، وأما
المعتزلة فقالوا : إنا نجوز الصغيرة على الأنبياء فكانت هذه التوبة توبة من الصغيرة ، ولقائل أن يقول : إن الصغائر قد صارت مكفرة بثواب فاعلها وإذا صارت مكفرة فالتوبة عنها محال ، لأن تأثير التوبة في إزالتها ، وإزالة الزائل محال .
وههنا أجوبة أخر تصلح لمن جوز الصغائر ولمن لم يجوزها ، وهي من وجوه :
أولها : يجوز أن يأتي بصورة التوبة تشددا في الانصراف عن المعصية ؛ لأن من تصور نفسه بصورة النادم العازم على التحرز الشديد ، كان أقرب إلى ترك المعاصي ، فيكون ذلك لطفا داعيا إلى ترك المعاصي .
وثانيها : أن العبد وإن اجتهد في طاعة ربه فإنه لا ينفك عن التقصير من بعض الوجوه : إما على سبيل السهو ، أو على سبيل ترك الأولى ، فكان هذا الدعاء لأجل ذلك .
وثالثها : أنه تعالى لما أعلم
إبراهيم عليه السلام أن في ذريته من يكون ظالما عاصيا ، لا جرم سأل ههنا أن يجعل بعض ذريته أمة مسلمة ، ثم طلب منه أن يوفق أولئك العصاة المذنبين للتوبة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128وتب علينا ) أي على المذنبين من ذريتنا ، والأب المشفق على ولده إذا أذنب ولده فاعتذر الوالد عنه فقد يقول : أجرمت وعصيت وأذنبت فاقبل عذري ويكون مراده : إن ولدي أذنب فاقبل عذره ، لأن ولد الإنسان يجري مجرى نفسه ، والذي يقوي هذا التأويل وجوه :
الأول : ما حكى الله تعالى في سورة إبراهيم أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35واجنبني وبني أن نعبد الأصنام nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) [إبراهيم : 36 ، 35] فيحتمل أن يكون المعنى : ومن عصاني فإنك قادر على أن تتوب عليه إن تاب ، وتغفر له ما سلف من ذنوبه .
الثاني : ذكر أن في قراءة
عبد الله : وأرهم مناسكهم وتب عليهم .
الثالث : أنه قال عطفا على هذا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=129ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) .
الرابع : تأولوا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=11ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) [الأعراف : 11] بجعل خلقه إياه خلقا لهم إذ كانوا منه ، فكذلك لا يبعد أن يكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128وأرنا مناسكنا ) أي أرنا ذريتنا .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128وَتُبْ عَلَيْنَا ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : احْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ
nindex.php?page=treesubj&link=28751_19717_29488_21384الذَّنْبَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَالَ : لِأَنَّ التَّوْبَةَ مَشْرُوطَةٌ بِتَقَدُّمِ الذَّنْبِ ، فَلَوْلَا تَقَدُّمُ الذَّنْبِ وَإِلَّا لَكَانَ طَلَبُ التَّوْبَةِ طَلَبًا لِلْمُحَالِ ، وَأَمَّا
الْمُعْتَزِلَةُ فَقَالُوا : إِنَّا نُجَوِّزُ الصَّغِيرَةَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فَكَانَتْ هَذِهِ التَّوْبَةُ تَوْبَةً مِنَ الصَّغِيرَةِ ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ الصَّغَائِرَ قَدْ صَارَتْ مُكَفَّرَةً بِثَوَابِ فَاعِلِهَا وَإِذَا صَارَتْ مُكَفَّرَةً فَالتَّوْبَةُ عَنْهَا مُحَالٌ ، لِأَنَّ تَأْثِيرَ التَّوْبَةِ فِي إِزَالَتِهَا ، وَإِزَالَةُ الزَّائِلِ مُحَالٌ .
وَهَهُنَا أَجْوِبَةٌ أُخَرُ تَصْلُحُ لِمَنْ جَوَّزَ الصَّغَائِرَ وَلِمَنْ لَمْ يُجَوِّزْهَا ، وَهِيَ مِنْ وُجُوهٍ :
أَوَّلُهَا : يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِصُورَةِ التَّوْبَةِ تَشَدُّدًا فِي الِانْصِرَافِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ تَصَوَّرَ نَفْسَهُ بِصُورَةِ النَّادِمِ الْعَازِمِ عَلَى التَّحَرُّزِ الشَّدِيدِ ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لُطْفًا دَاعِيًا إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْعَبْدَ وَإِنِ اجْتَهَدَ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنِ التَّقْصِيرِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ : إِمَّا عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ تَرْكِ الْأَوْلَى ، فَكَانَ هَذَا الدُّعَاءُ لِأَجْلِ ذَلِكَ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَعْلَمَ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يَكُونُ ظَالِمًا عَاصِيًا ، لَا جَرَمَ سَأَلَ هَهُنَا أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ ذُرِّيَّتِهِ أُمَّةً مُسْلِمَةً ، ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُوَفِّقَ أُولَئِكَ الْعُصَاةَ الْمُذْنِبِينَ لِلتَّوْبَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128وَتُبْ عَلَيْنَا ) أَيْ عَلَى الْمُذْنِبِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِنَا ، وَالْأَبُ الْمُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ إِذَا أَذْنَبَ وَلَدُهُ فَاعْتَذَرَ الْوَالِدُ عَنْهُ فَقَدْ يَقُولُ : أَجْرَمْتُ وَعَصَيْتُ وَأَذْنَبْتُ فَاقْبَلْ عُذْرِي وَيَكُونُ مُرَادُهُ : إِنَّ وَلَدِي أَذْنَبَ فَاقْبَلْ عُذْرَهُ ، لِأَنَّ وَلَدَ الْإِنْسَانِ يَجْرِي مَجْرَى نَفْسِهِ ، وَالَّذِي يُقَوِّي هَذَا التَّأْوِيلَ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [إِبْرَاهِيمَ : 36 ، 35] فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ تَتُوبَ عَلَيْهِ إِنْ تَابَ ، وَتَغْفِرَ لَهُ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِ .
الثَّانِي : ذَكَرَ أَنَّ فِي قِرَاءَةِ
عَبْدِ اللَّهِ : وَأَرِهِمْ مَنَاسِكَهُمْ وَتُبْ عَلَيْهِمْ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ قَالَ عَطْفًا عَلَى هَذَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=129رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ) .
الرَّابِعُ : تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=11وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ) [الْأَعْرَافِ : 11] بِجَعْلِ خَلْقِهِ إِيَّاهُ خَلْقًا لَهُمْ إِذْ كَانُوا مِنْهُ ، فَكَذَلِكَ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ) أَيْ أَرِنَا ذُرِّيَّتَنَا .