( 463 ) مسألة : قال :   ( فإن كانت لها أيام أنسيتها ، فإنها تقعد ستا أو سبعا في كل شهر )  هذه من القسم الرابع من أقسام المستحاضة ، وهي من لا عادة لها ولا تمييز وهذا القسم نوعان : أحدهما الناسية ، ولها ثلاثة أحوال : أحدها ، أن تكون ناسية لوقتها وعددها وهذه يسميها الفقهاء المتحيرة . 
والثانية ، أن تنسى عددها ، وتذكر وقتها . 
والثالثة ، أن تذكر عددها ، وتنسى وقتها . فالناسية لهما ، هي التي ذكر  الخرقي  حكمها ، وأنها تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة ، يكون ذلك حيضها ، ثم تغتسل ، وهي فيما بعد ذلك مستحاضة ، تصوم وتصلي وتطوف . وعن  أحمد  أنها تجلس أقل الحيض ، ثم إن كانت تعرف شهرها ، وهو مخالف للشهر المعروف ، جلست ذلك من شهرها ، وإن لم تعرف شهرها ، جلست من الشهر المعروف ; لأنه الغالب . 
وقال  الشافعي  في الناسية لهما : لا حيض لها بيقين ، وجميع زمنها مشكوك فيه ، تغتسل لكل صلاة ، وتصلي وتصوم ، ولا يأتيها زوجها . وله قول آخر ، أنها تجلس اليقين . وقال بعض أصحابه : الأول أصح ; لأن هذه لها أيام معروفة ، ولا يمكن ردها إلى غيرها ، فجميع زمانها مشكوك فيه ، وقد روت  عائشة    { أن  أم حبيبة  استحيضت سبع سنين ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل ، لكل صلاة   } متفق عليه . 
ولنا ما روت حمنة بنت جحش  ، قالت : كنت أستحاض حيضة كبيرة شديدة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه ، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش    . فقلت : يا رسول الله ، إني أستحاض حيضة كبيرة شديدة . فما تأمرني فيها ؟ قد منعتني الصيام والصلاة ، قال : { أنعت لك الكرسف ، فإنه يذهب الدم . قلت : هو أكثر من ذلك . إنما أثج ثجا فقال النبي صلى الله عليه وسلم سآمرك أمرين ، أيهما صنعت أجزأ عنك ، فإن قويت عليهما فأنت أعلم ، فقال إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام ، أو سبعة أيام ، في علم الله ، ثم اغتسلي فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعا وعشرين ليلة ، أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها ، وصومي ، فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي ، كما تحيض النساء ، وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن ، فإن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حتى تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعا ، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ، ثم  [ ص: 197 ] تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين ، وتغتسلين للصبح ، فافعلي ، وصومي إن قويت على ذلك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعجب الأمرين إلي   } رواه أبو داود  ، والترمذي  ، وقال هذا حديث حسن صحيح . قال : وسألت محمدا  عنه ، فقال : هو حديث حسن . وحكي ذلك عن  أحمد  أيضا . 
وهو بظاهره يثبت الحكم في حق الناسية ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها ، هل هي مبتدأة أو ناسية ؟ ولو افترق الحال لاستفصل وسأل . واحتمال أن تكون ناسية أكثر ، فإن حمنة  امرأة كبيرة ، كذلك قال  أحمد    . ولم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم عن تمييزها ; لأنه قد جرى من كلامها ، من تكثير الدم وصفته ما أغنى عن السؤال عنه ، ولم يسألها هل لها عادة فيردها إليها ؟ لاستغنائه عن ذلك ، لعلمه إياه ، إذ كان مشتهرا ، وقد أمر به أختها  أم حبيبة  فلم يبق إلا أن تكون ناسية ; ولأن لها حيضا لا تعلم قدره ، فيرد إلى غالب عادات النساء ، كالمبتدأة ; ولأنها لا عادة لها ولا تمييز ، فأشبهت المبتدأة . 
وقولهم : لها أيام معروفة . قلنا : قد زالت المعرفة ، فصار وجودها كالعدم . وأما أمره  أم حبيبة  بالغسل لكل صلاة ، فإنما هو ندب ، كأمره لحمنة  في هذا الخبر ، فإن  أم حبيبة  كانت معتادة ردها إلى عادتها ، وهي لها  أم سلمة  ، على أن حديث  أم حبيبة  إنما روي عن الزهري  ، وأنكره  الليث بن سعد  ، فقال : لم يذكر ابن شهاب  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر  أم حبيبة  أن تغتسل لكل صلاة ، ولكنه شيء فعلته هي . 
( 464 ) فصل : قوله : " ستا أو سبعا " الظاهر أنه ردها إلى اجتهادها ورأيها ، فيما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى عادتها أو عادة نسائها ، أو ما يكون أشبه بكونه حيضا . ذكره  القاضي  في بعض المواضع ، وذكر في موضع آخر أنه خيرها بين ست وسبع ، لا على طريق الاجتهاد ، كما خير واطئ الحائض بين التكفير بدينار أو نصف دينار ، بدليل أن حرف " أو " للتخيير . والأول إن شاء الله أصح ; لأنا لو جعلناها مخيرة أفضى إلى تخييرها في اليوم السابع بين أن تكون الصلاة عليها واجبة وبين كونها محرمة ، وليس لها في ذلك خيرة بحال . 
أما التكفير ففعل اختياري ، يمكن التخيير فيه بين إخراج دينار أو نصف دينار ، والواجب نصف دينار في الحالين ; لأن الواجب لا يتخير بين فعله وتركه . وقولهم : إن " أو " للتخيير . قلنا : وقد يكون للاجتهاد ، كقول الله تعالى { فإما منا بعد وإما فداء    } . و " إما " " كأو " في وضعها ، وليس للإمام في الأسرى إلا فعل ما يؤديه إليه اجتهاده أنه الأصلح . 
				
						
						
