( 502 ) مسألة : قال : (
nindex.php?page=treesubj&link=646ومن كانت لها أيام فرأت الطهر قبل ذلك ، فهي طاهر ، تغتسل وتصلي ، فإن عاودها الدم ، لم تلتفت إليه حتى تجيء أيامها ) الكلام في هذه المسألة في فصلين : أحدهما ، في
nindex.php?page=treesubj&link=622الطهر بين الدمين . والثاني ، في
nindex.php?page=treesubj&link=642حكم الدم العائد بعده .
[ ص: 214 ] فصل : أما الأول ، فإن المرأة متى رأت الطهر فهي طاهر تغتسل ، وتلزمها الصلاة والصيام ، سواء رأته في العادة ، أو بعد انقضائها ، ولم يفرق أصحابنا بين قليل الطهر وكثيره ; لقول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أما ما رأت الطهر ساعة فلتغتسل . ويتوجه أن انقطاع الدم متى نقص عن اليوم ، فليس بطهر بناء على الرواية التي حكيناها في النفاس ، أنها لا تلتفت إلى ما دون اليوم .
وهو الصحيح إن شاء الله ; لأن الدم يجري مرة ، وينقطع أخرى ، وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة بعد ساعة حرج ينتفي بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وما جعل عليكم في الدين من حرج } . ولأننا لو جعلنا انقطاع الدم ساعة طهرا ، ولا تلتفت إلى ما بعده من الدم ، أفضى إلى أن لا يستقر لها حيض ، فعلى هذا لا يكون انقطاع الدم أقل من يوم طهرا ، إلا أن ترى ما يدل عليه ، مثل أن يكون انقطاعه في آخر عادتها ، أو ترى القصة البيضاء ، وهو شيء يتبع الحيض أبيض ، يسمى الترية .
روي ذلك عن إمامنا ، وروي عنه أن القصة البيضاء هي القطنة التي تحشوها المرأة ، إذا خرجت بيضاء كما دخلت لا تغير عليها فهي القصة البيضاء بضم القاف . حكي ذلك عن
الزهري . وروي عن إمامنا أيضا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : ليس النقاء بين الدمين طهرا ، بل لو صامت فيه فرضا لم يصح ، ولزمها قضاؤه ، ولا يجب عليها فيه صلاة ، ولا يأتيها زوجها ، فيكون الدمان وما بينهما حيضا .
وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لأن الدم يسيل تارة وينقطع أخرى ; ولأنه لو لم يكن من الحيض لم يحتسب من مدته ، ولنا قول الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } . وصف الحيض بكونه أذى ، فإذا ذهب الأذى وجب أن يزول الحيض . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أما ما رأت الدم البحراني فإنها لا تصلي ، وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل . وقالت
عائشة : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ; ولأنها صامت وهي طاهر ، فلم يلزمها القضاء ، كما لو لم يعد الدم .
فأما قولهم : إن الدم يجري تارة وينقطع أخرى . قلنا ; لا عبرة بالانقطاع اليسير ، وإنما إذا وجد انقطاع كبير يمكن فيه الصلاة والصيام ، وتتأدى العبادة فيه ، وجبت عليها ; لعدم المانع من وجوبها .
( 504 ) فصل : الفصل الثاني ، إذا عاودها الدم ، فلا يخلو إما أن يعاودها في العادة ، أو بعدها ، فإن عاودها في العادة ، ففيه روايتان : إحداهما ، أنه من حيضها ; لأنه صادف زمن العادة ، فأشبه ما لو لم ينقطع ، وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، وأصحاب الرأي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
والثانية ، ليس بحيض ، وهو ظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14209الخرقي ، واختيار
ابن أبي موسى ، ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ; لأنه عاد بعد طهر صحيح ، فأشبه ما لو عاد بعد العادة . وعلى هذه الرواية يكون حكمه حكم ما لو عاد بعد العادة على ما سنذكره فيما بعد ، إن شاء الله تعالى . وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، رحمه الله : إذا كانت أيامها عشرا ، فقعدت خمسا ، ثم رأت الطهر ، فإنها تصلي ، فإذا كان اليوم التاسع أو الثامن ، فرأت الدم ، صلت وصامت ، وتقضي الصوم .
وهذا على سبيل الاحتياط ; لوجود التردد في هذا الدم ، فأشبه دم النفساء العائد في مدة النفاس . فإن رأته في العادة ، وتجاوز العادة ، لم يخل من أن يعبر أكثر الحيض أو لا يعبر ، فإن عبر أكثر الحيض ، فليس بحيض ; لأن بعضه ليس بحيض ، فيكون كله استحاضة ; لأنه متصل به ، فكان أقرب إليه ، فإلحاقه بالاستحاضة أقرب من إلحاقه
[ ص: 215 ] بالحيض ; لانفصاله عنه ، وإن انقطع لأكثره فما دون ، فمن قال : إن ما لم يعبر العادة ليس بحيض .
فهذا أولى أن لا يكون حيضا ، ومن قال : هو حيض . ففي هذا على قوله ثلاثة أوجه : أحدها ، أن جميعه حيض ، بناء على الوجه الذي ذكرنا في أن الزائد على العادة حيض ، ما لم يعبر أكثر الحيض . والثاني ، أن ما وافق العادة حيض ; لموافقته العادة ، وما زاد عليها ليس بحيض ; لخروجه عنها . والثالث ، أن الجميع ليس بحيض ; لاختلاطه بما ليس بحيض . فإن تكرر فهو حيض ، على الروايتين جميعا . فأما إن عاد بعد العادة لم يخل من حالين : أحدهما ، أن لا يمكن كونه حيضا .
والثاني ، أن يمكن ذلك ; فإن لم يمكن كونه حيضا لعبوره أكثر الحيض ، وأنه ليس بينه وبين الدم أقل الطهر ، فهذا استحاضة كله ، سواء تكرر أو لم يتكرر ; لأنه لا يمكن جعل جميعه حيضا ، فكان جميعه استحاضة ; لأن إلحاق بعضه ببعض أولى من إلحاقه بغيره . والثاني ، أن يمكن جعله حيضا ، وذلك يتصور في حالين ; أحدهما ، أن يكون بضمه إلى الدم الأول لا يكون بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما ، فإذا تكرر جعلناهما حيضة واحدة ، ويلفق أحدهما إلى الآخر ، ويكون الطهر الذي بينهما طهرا في خلال الحيض .
والصورة الثانية ، أن يكون بينهما أقل الطهر ، إما ثلاثة عشر يوما ، أو خمسة عشر يوما ، ويكون كل واحد من الدمين يصلح أن يكون حيضا بمفرده بأن يكون يوما وليلة فصاعدا ، فهذا إذا تكرر كان الدمان حيضتين ، وإن نقص أحدهما عن أقل الحيض ، فهو دم فساد ، إذا لم يمكن ضمه إلى ما بعده .
ومثال ذلك ما لو كانت عادتها عشرة من أول الشهر ، فرأت خمسة منها دما ، وطهرت خمسة ، ثم رأت خمسة دما ، وتكرر ذلك . فالخمسة الأولى والثانية حيضة واحدة تلفق الدم الثاني إلى الأول . وإن رأت الثاني ستة أو سبعة ، لم يمكن أن يكون حيضا ; لأن بين طرفيها أكثر من خمسة عشر يوما ، وليس بينهما أقل الطهر . وإن رأت يوما دما وثلاثة عشر طهرا ، ثم رأت يوما دما وتكرر هذا ، كانا حيضتين ، وصار شهرها أربعة عشر يوما . وكذلك إن رأت يومين دما وثلاثة عشر طهرا ، ثم رأت يومين دما وثلاثة عشر طهرا ، ثم رأت يومين دما ، وتكرر شهرها خمسة عشر يوما .
وإن كان الطهر بينهما أحد عشر يوما فما دون وتكرر ، فهما حيضة واحدة ; لأنه ليس بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما ، ولا بينهما أقل الطهر . وإن كان بينهما اثنا عشر يوما طهرا ، لم يمكن كونهما جميعا حيضا ; لأنه لا يمكن كونهما حيضة واحدة ; لزيادتهما بما بينهما من الطهر على أكثر الحيض ، ولا يمكن جعلهما حيضتين ; لأنه ليس بينهما أقل الطهر ، فيكون حيضها منهما ما وافق العادة ، والآخر استحاضة . وعلى هذا كل ما يتفرع من المسائل ، إلا أنها لا تلتفت إلى ما رأته بعد الطهر فيما خرج عن العادة حتى يتكرر مرتين أو ثلاثا ، فإن تكرر ، وأمكن جعله حيضا ، فهو حيض ، وإلا فلا . وكل موضع رأت الدم ولم تترك العبادة فيه ، ثم تبين أنه كان حيضا ، فعليها قضاء الصوم المفروض فيه . وكل موضع عدته حيضا وتركت فيه العبادة ، ثم تبين أنه طهر ، فعليها قضاء ما تركته من الواجبات فيه .
( 505 ) فصل : واختلف أصحابنا في مراد
nindex.php?page=showalam&ids=14209الخرقي ، رحمه الله ، بقوله : " فإن عاودها الدم فلا تلتفت إليه . فقال
أبو الحسن التميمي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14953والقاضي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل : أراد إذا عاودها بعد العادة ، وعبر أكثر الحيض ، بدليل أنه منعها
[ ص: 216 ] أن تلتفت إليه مطلقا ، ولو أراد غير ذلك لقال : حتى يتكرر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي : ويحتمل أنه أراد إذا عاودها بعد العادة ولم يعبر . فإنها لا تلتفت إليه قبل التكرار .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14800أبو حفص العكبري : أراد معاودة الدم في كل حال ، سواء كان في العادة أو بعدها ; لأن لفظه مطلق فيتناول بإطلاقه الزمان كله . وهذا أظهر ، إن شاء الله . وما ذكروه من الترجيح معارض بمثله ، وهو أن قولهم يحتاج إلى إضمار عبور أكثر الحيض ، وليس هذا أولى من إضمار التكرار ، فيتساويان ، ويسلم الترجيح الذي ذكرناه .
( 502 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : (
nindex.php?page=treesubj&link=646وَمَنْ كَانَتْ لَهَا أَيَّامٌ فَرَأَتْ الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَهِيَ طَاهِرٌ ، تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي ، فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ ، لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ حَتَّى تَجِيءَ أَيَّامُهَا ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا ، فِي
nindex.php?page=treesubj&link=622الطُّهْرِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ . وَالثَّانِي ، فِي
nindex.php?page=treesubj&link=642حُكْمِ الدَّمِ الْعَائِدِ بَعْدَهُ .
[ ص: 214 ] فَصْلٌ : أَمَّا الْأَوَّلُ ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى رَأَتْ الطُّهْرَ فَهِيَ طَاهِرٌ تَغْتَسِلُ ، وَتَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ ، سَوَاءٌ رَأَتْهُ فِي الْعَادَةِ ، أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا ، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ قَلِيلِ الطُّهْرِ وَكَثِيرِهِ ; لِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَمَّا مَا رَأَتْ الطُّهْرَ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ . وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ انْقِطَاعَ الدَّمِ مَتَى نَقَصَ عَنْ الْيَوْمِ ، فَلَيْسَ بِطُهْرٍ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا فِي النِّفَاسِ ، أَنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إلَى مَا دُونَ الْيَوْمِ .
وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ; لِأَنَّ الدَّمَ يَجْرِي مَرَّةً ، وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى ، وَفِي إيجَابِ الْغُسْلِ عَلَى مَنْ تَطْهُرُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ حَرَجٌ يَنْتَفِي بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } . وَلِأَنَّنَا لَوْ جَعَلْنَا انْقِطَاعَ الدَّمِ سَاعَةً طُهْرًا ، وَلَا تَلْتَفِتُ إلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ الدَّمِ ، أَفْضَى إلَى أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ لَهَا حَيْضٌ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ انْقِطَاعُ الدَّمِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ طُهْرًا ، إلَّا أَنْ تَرَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُهُ فِي آخِرِ عَادَتِهَا ، أَوْ تَرَى الْقُصَّةَ الْبَيْضَاءَ ، وَهُوَ شَيْءٌ يَتْبَعُ الْحَيْضَ أَبْيَضُ ، يُسَمَّى التَّرِيَّةَ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إمَامِنَا ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْقُصَّةَ الْبَيْضَاءَ هِيَ الْقُطْنَةُ الَّتِي تَحْشُوهَا الْمَرْأَةُ ، إذَا خَرَجَتْ بَيْضَاءَ كَمَا دَخَلَتْ لَا تَغَيُّرَ عَلَيْهَا فَهِيَ الْقُصَّةُ الْبَيْضَاءُ بِضَمِّ الْقَافِ . حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ
الزُّهْرِيِّ . وَرُوِيَ عَنْ إمَامِنَا أَيْضًا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : لَيْسَ النَّقَاءُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ طُهْرًا ، بَلْ لَوْ صَامَتْ فِيهِ فَرْضًا لَمْ يَصِحَّ ، وَلَزِمَهَا قَضَاؤُهُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِيهِ صَلَاةٌ ، وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا ، فَيَكُونُ الدَّمَانِ وَمَا بَيْنَهُمَا حَيْضًا .
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ; لِأَنَّ الدَّمَ يَسِيلُ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى ; وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَيْضِ لَمْ يُحْتَسَبْ مِنْ مُدَّتِهِ ، وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } . وَصَفَ الْحَيْضَ بِكَوْنِهِ أَذًى ، فَإِذَا ذَهَبَ الْأَذَى وَجَبَ أَنْ يَزُولَ الْحَيْضُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَمَّا مَا رَأَتْ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَإِنَّهَا لَا تُصَلِّي ، وَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ . وَقَالَتْ
عَائِشَةُ : لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقُصَّةَ الْبَيْضَاءَ ; وَلِأَنَّهَا صَامَتْ وَهِيَ طَاهِرٌ ، فَلَمْ يَلْزَمْهَا الْقَضَاءُ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعُدْ الدَّمُ .
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الدَّمَ يَجْرِي تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى . قُلْنَا ; لَا عِبْرَةَ بِالِانْقِطَاعِ الْيَسِيرِ ، وَإِنَّمَا إذَا وُجِدَ انْقِطَاعٌ كَبِيرٌ يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ ، وَتَتَأَدَّى الْعِبَادَةُ فِيهِ ، وَجَبَتْ عَلَيْهَا ; لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ وَجُوبِهَا .
( 504 ) فَصْلٌ : الْفَصْلُ الثَّانِي ، إذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُعَاوِدَهَا فِي الْعَادَةِ ، أَوْ بَعْدَهَا ، فَإِنْ عَاوَدَهَا فِي الْعَادَةِ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا ، أَنَّهُ مِنْ حَيْضِهَا ; لِأَنَّهُ صَادَفَ زَمَنَ الْعَادَةِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ ، وَهَذَا مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيِّ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ .
وَالثَّانِيَةُ ، لَيْسَ بِحَيْضٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=14209الْخِرَقِيِّ ، وَاخْتِيَارُ
ابْنِ أَبِي مُوسَى ، وَمَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٍ ; لِأَنَّهُ عَادَ بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٍ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَادَ بَعْدَ الْعَادَةِ . وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ عَادَ بَعْدَ الْعَادَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشْرًا ، فَقَعَدَتْ خَمْسًا ، ثُمَّ رَأَتْ الطُّهْرَ ، فَإِنَّهَا تُصَلِّي ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ أَوْ الثَّامِنُ ، فَرَأَتْ الدَّمَ ، صَلَّتْ وَصَامَتْ ، وَتَقْضِي الصَّوْمَ .
وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ ; لِوُجُودِ التَّرَدُّدِ فِي هَذَا الدَّمِ ، فَأَشْبَهَ دَمَ النُّفَسَاءِ الْعَائِدَ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ . فَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْعَادَةِ ، وَتَجَاوَزَ الْعَادَةَ ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَعْبُرَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ أَوْ لَا يَعْبُرَ ، فَإِنْ عَبَرَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ ، فَلَيْسَ بِحَيْضٍ ; لِأَنَّ بَعْضَهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ ، فَيَكُونُ كُلُّهُ اسْتِحَاضَةً ; لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ ، فَكَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ ، فَإِلْحَاقُهُ بِالِاسْتِحَاضَةِ أَقْرَبُ مِنْ إلْحَاقِهِ
[ ص: 215 ] بِالْحَيْضِ ; لِانْفِصَالِهِ عَنْهُ ، وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَكْثَرِهِ فَمَا دُونَ ، فَمَنْ قَالَ : إنَّ مَا لَمْ يَعْبُرْ الْعَادَةَ لَيْسَ بِحَيْضٍ .
فَهَذَا أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ حَيْضًا ، وَمَنْ قَالَ : هُوَ حَيْضٌ . فَفِي هَذَا عَلَى قَوْلِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا ، أَنَّ جَمِيعَهُ حَيْضٌ ، بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ حَيْضٌ ، مَا لَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ . وَالثَّانِي ، أَنَّ مَا وَافَقَ الْعَادَةَ حَيْضٌ ; لِمُوَافَقَتِهِ الْعَادَةَ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا لَيْسَ بِحَيْضٍ ; لِخُرُوجِهِ عَنْهَا . وَالثَّالِثُ ، أَنَّ الْجَمِيعَ لَيْسَ بِحَيْضٍ ; لِاخْتِلَاطِهِ بِمَا لَيْسَ بِحَيْضٍ . فَإِنْ تَكَرَّرَ فَهُوَ حَيْضٌ ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا . فَأَمَّا إنْ عَادَ بَعْدَ الْعَادَةِ لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ : أَحَدُهُمَا ، أَنْ لَا يُمْكِنَ كَوْنُهُ حَيْضًا .
وَالثَّانِي ، أَنْ يُمْكِنَ ذَلِكَ ; فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ حَيْضًا لِعُبُورِهِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ أَقَلُّ الطُّهْرِ ، فَهَذَا اسْتِحَاضَةٌ كُلُّهُ ، سَوَاءٌ تَكَرَّرَ أَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ جَمِيعِهِ حَيْضًا ، فَكَانَ جَمِيعُهُ اسْتِحَاضَةً ; لِأَنَّ إلْحَاقَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهِ بِغَيْرِهِ . وَالثَّانِي ، أَنْ يُمْكِنَ جَعْلُهُ حَيْضًا ، وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي حَالَيْنِ ; أَحَدُهُمَا ، أَنْ يَكُونَ بِضَمِّهِ إلَى الدَّمِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ بَيْنَ طَرَفَيْهِمَا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَإِذَا تَكَرَّرَ جَعَلْنَاهُمَا حَيْضَةً وَاحِدَةً ، وَيُلَفَّقُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ ، وَيَكُونُ الطُّهْرُ الَّذِي بَيْنَهُمَا طُهْرًا فِي خِلَالِ الْحَيْضِ .
وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ ، أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ ، إمَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّمَيْنِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِمُفْرَدِهِ بِأَنْ يَكُونَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَصَاعِدًا ، فَهَذَا إذَا تَكَرَّرَ كَانَ الدَّمَانِ حَيْضَتَيْنِ ، وَإِنْ نَقَصَ أَحَدُهُمَا عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ ، فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ ، إذَا لَمْ يُمْكِنْ ضَمُّهُ إلَى مَا بَعْدَهُ .
وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا عَشَرَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ، فَرَأَتْ خَمْسَةً مِنْهَا دَمًا ، وَطَهُرَتْ خَمْسَةً ، ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ . فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ تُلَفِّقُ الدَّمَ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ . وَإِنْ رَأَتْ الثَّانِيَ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً ، لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا ; لِأَنَّ بَيْنَ طَرَفَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ . وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرًا ، ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتَكَرَّرَ هَذَا ، كَانَا حَيْضَتَيْنِ ، وَصَارَ شَهْرُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا . وَكَذَلِكَ إنْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرًا ، ثُمَّ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرًا ، ثُمَّ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا ، وَتَكَرَّرَ شَهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا .
وَإِنْ كَانَ الطُّهْرُ بَيْنَهُمَا أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَ وَتَكَرَّرَ ، فَهُمَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ طَرَفَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَلَا بَيْنَهُمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ . وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا اثْنَا عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا ، لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُمَا جَمِيعًا حَيْضًا ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُمَا حَيْضَةً وَاحِدَةً ; لِزِيَادَتِهِمَا بِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الطُّهْرِ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُمَا حَيْضَتَيْنِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ ، فَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْهُمَا مَا وَافَقَ الْعَادَةَ ، وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ . وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا يَتَفَرَّعُ مِنْ الْمَسَائِلِ ، إلَّا أَنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إلَى مَا رَأَتْهُ بَعْدَ الطُّهْرِ فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، فَإِنْ تَكَرَّرَ ، وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا ، فَهُوَ حَيْضٌ ، وَإِلَّا فَلَا . وَكُلُّ مَوْضِعٍ رَأَتْ الدَّمَ وَلَمْ تَتْرُكْ الْعِبَادَةَ فِيهِ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَيْضًا ، فَعَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ فِيهِ . وَكُلُّ مَوْضِعٍ عَدَّتْهُ حَيْضًا وَتَرَكَتْ فِيهِ الْعِبَادَةَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ طُهْرٌ ، فَعَلَيْهَا قَضَاءُ مَا تَرَكَتْهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فِيهِ .
( 505 ) فَصْلٌ : وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِ
nindex.php?page=showalam&ids=14209الْخِرَقِيِّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، بِقَوْلِهِ : " فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ فَلَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ . فَقَالَ
أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14953وَالْقَاضِي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13372وَابْنُ عَقِيلٍ : أَرَادَ إذَا عَاوَدَهَا بَعْدَ الْعَادَةِ ، وَعَبَرَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَنَعَهَا
[ ص: 216 ] أَنْ تَلْتَفِتَ إلَيْهِ مُطْلَقًا ، وَلَوْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ لَقَالَ : حَتَّى يَتَكَرَّرَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي : وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا عَاوَدَهَا بَعْدَ الْعَادَةِ وَلَمْ يَعْبُرْ . فَإِنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ قَبْلَ التَّكْرَارِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14800أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ : أَرَادَ مُعَاوَدَةَ الدَّمِ فِي كُلِّ حَالٍ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا ; لِأَنَّ لَفْظَهُ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ بِإِطْلَاقِهِ الزَّمَانَ كُلَّهُ . وَهَذَا أَظْهَرُ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ . وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّرْجِيحِ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُمْ يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارِ عُبُورِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ ، وَلَيْسَ هَذَا أَوْلَى مِنْ إضْمَارِ التَّكْرَارِ ، فَيَتَسَاوَيَانِ ، وَيَسْلَمُ التَّرْجِيحُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ .