وهذا قول ، مالك ، وأصحاب الرأي ، وأكثر أهل العلم . قال والثوري : هو قول جل أهل العلم إلا ابن المنذر . وكان الشافعي إسحاق يقول : لا يجزئه إذا ترك ذلك عامدا . قال : وبالقول الأول أقول ; لأنني لا أجد الدلالة موجودة في إيجاب الإعادة عليه . واحتجوا بحديث ابن المنذر { ابن مسعود } . وفي لفظ : " وقد قضيت صلاتك ، فإن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد " رواه : أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه التشهد ، ثم قال : إذا قلت هذا - أو قضيت هذا - فقد تمت صلاتك أبو داود .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم { } . رواه : إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع . أمرنا بالاستعاذة عقيب التشهد من غير فصل . ولأن الصحابة كانوا يقولون في التشهد قولا ، فنقلهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم إلى التشهد وحده ، فدل على أنه لا يجب غيره ، ولأن الوجوب من الشرع ، ولم يرد بإيجابه . مسلم
وظاهر مذهب رحمه الله وجوبه ; فإن أحمد أبا زرعة الدمشقي نقل عن أحمد ، أنه قال : كنت أتهيب ذلك ، ثم تبينت ، فإذا الصلاة واجبة . فظاهر هذا أنه رجع عن قوله الأول إلى هذا ; لما روى ، قال : { كعب بن عجرة محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وآل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد } . متفق عليه . إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا : يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا اللهم صل على
وروى عن الأثرم { فضالة بن عبيد } . ولأن الصلاة عبادة شرط فيها ذكر الله تعالى بالشهادة ، فشرط ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كالأذان . فأما حديث سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد ربه ، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عجل هذا . ثم دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء ، فقال ابن مسعود : الزيادة فيه من كلام الدارقطني . ابن مسعود
( 756 ) فصل : كما ذكر وصفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، لما روينا من حديث الخرقي ، وقد رواه كعب بن عجرة كذلك ، إلا أنه قال : " كما صليت على النسائي إبراهيم وآل إبراهيم " ، و " كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم " وفي رواية : " كما صليت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد " و " كما باركت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد " قال الترمذي : وهو حديث حسن صحيح . وفي رواية : { ابن مسعود إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم ; في العالمين ، إنك حميد مجيد } . رواه كما صليت على . مسلم
وعن { أبي حميد محمد وعلى أزواجه وذريته ، كما صليت على آل إبراهيم ; وبارك على محمد وعلى [ ص: 319 ] أزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد } . رواه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قولوا : اللهم صل على . والأولى أن يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الصفة التي ذكر البخاري . لأن ذلك في حديث الخرقي ، وهو أصح حديث روي فيها . وعلى أي صفة أتى بالصلاة عليه مما ورد في الأخبار ، جاز ، كقولنا في التشهد ، وظاهره أنه إذا أخل بلفظ ساقط في بعض الأخبار ، جاز ، لأنه لو كان واجبا لما أغفله النبي صلى الله عليه وسلم . قال كعب بن عجرة : ظاهر كلام القاضي أبو يعلى أن الصلاة واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم حسب ; لقوله في خبر أحمد أبي زرعة : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمر ، من تركها أعاد الصلاة ، ولم يذكر الصلاة على آله .
وهذا مذهب . ولهم في وجوب الصلاة على آله وجهان . وقال بعض أصحابنا : تجب الصلاة على الوجه الذي في خبر الشافعي كعب ; لأنه أمر به ، والأمر يقتضي الوجوب . والأول أولى ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بهذا حين سألوه تعليمهم ، ولم يبتدئهم به .
( 757 ) فصل : آل النبي صلى الله عليه وسلم : أتباعه على دينه ، كما قال الله تعالى { أدخلوا آل فرعون } . يعني أتباعه من أهل دينه .
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم { محمد ؟ فقال : كل تقي } . أخرجه ، أنه سئل : من آل تمام في " فوائده " . وقيل آله : أهله ، الهاء منقلبة عن الهمزة ، كما يقال : أرقت الماء وهرقته . فلو قال : وعلى أهل محمد ، مكان آل محمد ، أجزأه عند القاضي ، وقال : معناهما واحد ، ولذلك لو صغر ، قيل : أهيل : قال . ومعناهما جميعا أهل دينه .
وقال ابن حامد وأبو حفص : لا يجزئ ; لما فيه من مخالفة لفظ الأثر ، وتغيير المعنى ، فإن الأهل إنما يعبر به عن القرابة ، والآل يعبر به عن الأتباع في الدين .
( 758 ) فصل : وأما ، فروي عن تفسير التحيات ، قال : التحية العظمة ، والصلوات الصلوات الخمس ، والطيبات الأعمال الصالحة . وقال ابن عباس أبو عمرو : التحيات الملك . وأنشد :
ولكل ما نال الفتى قد نلته إلا التحية
وقال بعض أهل اللغة : التحية البقاء . واستشهد بهذا البيت .وقال : التحيات السلام ، والصلوات الرحمة ، والطيبات من الكلام . ابن الأنباري
( 759 ) فصل : ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجهر به ، إذ لو جهر به لنقل كما نقلت القراءة . وقال والسنة إخفاء التشهد : من السنة إخفاء التشهد . رواه عبد الله بن مسعود أبو داود . ولأنه ذكر غير القراءة لا ينتقل به من ركن إلى ركن ، فاستحب إخفاؤه ، كالتسبيح ، ولا نعلم في هذا خلافا .
[ ص: 320 ] فصل ( 760 ) : لما ذكرنا في التكبير . فإن عجز عن العربية تشهد بلسانه ، كقولنا في التكبير ، ويجيء على قول القاضي أن لا يتشهد ، وحكمه حكم الأخرس . ومن قدر على تعلم التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لزمه ذلك ; لأنه من فروض الأعيان ، فلزمه كالقراءة . ولا يجوز لمن قدر على العربية التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بغيرها ;
فإن صلى قبل تعلمه مع إمكانه ، لم تصح صلاته . وإن خاف فوات الوقت ، أو عجز عن تعلمه ، أتى بما يمكنه منه ، وأجزأه ; للضرورة . وإن لم يحسن شيئا بالكلية ، سقط كله .
( 761 ) فصل : والسنة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يفعل ، وأتى به منكسا من غير تغيير شيء من معانيه ، ولا إخلال بشيء من الواجب فيه ، ففيه وجهان : أحدهما يجزئه . ذكره القاضي . وهو مذهب ترتيب التشهد ، وتقديمه على الصلاة ; لأن المقصود المعنى ، وقد حصل ، فصح كما لو رتبه . والثاني لا يصح ; لأنه أخل بالترتيب في ذكر ورد الشرع به مرتبا ، فلم يصح كالأذان . الشافعي