( 8020 ) مسألة ; قال رحمه الله : ( ومن وجبت عليه بالحنث كفارة يمين ، فهو مخير إن شاء أطعم عشرة مساكين مسلمين أحرارا ، كبارا كانوا أو صغارا ، إذا أكلوا الطعام ) أجمع أهل العلم ، على أن أبو القاسم بالخيار ; إن شاء أطعم ، وإن شاء كسا ، وإن شاء أعتق ، أي ذلك فعل أجزأه ; لأن الله - تعالى - عطف بعض هذه الخصال على بعض بحرف " أو " ، وهو للتخيير . الحانث في يمينه
قال : ما كان في كتاب الله ( أو ) فهو مخير فيه ، وما كان ( فمن لم يجد ) فالأول الأول . ذكره الإمام ابن عباس في " التفسير " . والواجب في الإطعام إطعام عشرة مساكين ; لنص الله تعالى على عددهم ، إلا أن لا يجد عشرة مساكين فيأتي ذكره ، إن شاء الله تعالى . ويعتبر في المدفوع إليهم أربعة أوصاف ; أن يكونوا مساكين ، وهم الصنفان اللذان تدفع إليهم الزكاة ، المذكوران في أول أصنافهم ، في قوله تعالى : { أحمد إنما الصدقات للفقراء والمساكين } والفقراء مساكين وزيادة ; لكون الفقير أشد حاجة من المسكين ، على ما بيناه ولأن الفقر والمسكنة في غير الزكاة شيء واحد ; لأنهما جميعا اسم للحاجة إلى ما لا بد منه في الكفاية ، ولذلك لو وصى للفقراء ، أو وقف عليهم ، أو للمساكين ، لكان ذلك لهم جميعا ، وإنما جعلا صنفين في الزكاة ، وفرق بينهما ; لأن الله - تعالى ذكر الصنفين جميعا باسمين ، فاحتيج إلى التفريق بينهما ، فأما في غير الزكاة .
فكل واحد من الاسمين يعبر به عن الصنفين ; لأن جهة استحقاقهم واحدة ، وهي الحاجة إلى ما تتم به الكفاية ، ولا يجوز صرفها إلى غيرهم ، سواء كان من أصناف الزكاة ، أو لم يكن ; لأن الله تعالى أمر بها للمساكين ، وخصهم بها ، فلا تدفع إلى غيرهم ، ولأن القدر المدفوع إلى كل واحد من الكفارة قدر يسير ، يراد به دفع حاجة يومه في مؤنته ، وغيرهم من الأصناف لا تندفع حاجتهم بهذا ; لكثرة حاجتهم ، وإذا صرفوا ما يأخذونه في حاجتهم ، صرفوه إلى غير ما شرع له . الثاني ، أن يكونوا أحرارا ، فلا يجزئ دفعها إلى عبد ، ولا مكاتب ، ولا أم ولد .
وبهذا قال ، مالك . واختار والشافعي الشريف أبو جعفر جواز دفعها إلى مكاتب نفسه وغيره . وقال يتخرج جواز دفعها إليه ، بناء على جواز [ ص: 4 ] إعتاقه في كفارته ; لأنه يأخذ من الزكاة ، لحاجته ، فأشبه المسكين . أبو الخطاب
ولنا ، أن الله - تعالى - عده صنفا في الزكاة غير صنف المساكين ، ولا هو في معنى المساكين ; لأن حاجته من غير جنس حاجتهم ، فدل على أنه ليس بمسكين ، والكفارة إنما هي للمساكين ; بدليل الآية ، ولأن المسكين يدفع إليه لتتم كفايته ، والمكاتب إنما يأخذ لفكاك رقبته ، أما كفايته فإنها حاصلة بكسبه وماله ، فإن لم يكن له كسب ولا مال ، عجزه سيده ، ورجع إليه ، واستغنى بإنفاقه ، وخالف الزكاة ; فإنها تصرف إلى الغني ، والكفارة بخلافها . الثالث ، أن يكونوا مسلمين ، ولا يجوز صرفها إلى كافر ، ذميا كان أو حربيا .
وبذلك قال الحسن ، ، والنخعي والأوزاعي ، ، ومالك ، والشافعي وإسحاق ، . وقال وأبو عبيد ، وأصحاب الرأي : يجوز دفعها إلى الذمي ; لدخوله في اسم المساكين ، فيدخل في عموم الآية ، ولأنه مسكين من أهل دار الإسلام ، فأجزأ الدفع إليه من الكفارة ، كالمسلم . وروي نحو هذا عن أبو ثور الشعبي . وخرجه وجها في المذهب ; بناء على جواز إعتاقه في أبو الخطاب الكفارة .
وقال يعطيهم إن لم يجد غيرهم . ولنا ، إنهم كفار ، فلم يجز إعطاؤهم ، كمستأمني أهل الحرب ، والآية مخصوصة بهذا ، فنقيس . الرابع : أن يكونوا قد أكلوا الطعام ، فإن كان طفلا لم يطعم ، لم يجز الدفع إليه ، في ظاهر كلام الثوري ، وقول القاضي . وهو ظاهر قول الخرقي ; فإنه قال : يجوز الدفع إلى الفطيم . وهو إحدى الروايتين عن مالك . أحمد
والرواية الثانية ، يجوز دفعها إلى الصغير الذي لم يطعم ، ويقبض للصغير وليه . وهو الذي ذكره في المذهب . وهو مذهب أبو الخطاب ، وأصحاب الرأي قال الشافعي : وهو قول أكثر الفقهاء ; لأنه حر مسلم محتاج ، فأشبه الكبير ، ولأن أكله للكفارة ليس بشرط ، وهذا يصرف الكفارة إلى ما يحتاج إليه ، مما تتم به كفايته ، فأشبه الكبير . ولنا ، قوله تعالى : { أبو الخطاب إطعام عشرة مساكين } . وهذا يقتضي أكلهم له ، فإذا لم تعتبر حقيقة أكله اعتبر إمكانه ومظنته ، ولا تتحقق مظنته فيمن لا يأكل ، ولأنه لو كان المقصود دفع حاجته ، لجاز دفع القيمة ، ولم يتعين الإطعام ، وهذا يقيد ما ذكروه .
فإذا اجتمعت هذه الأوصاف الأربعة في واحد ، جاز الدفع إليه ، سواء كان صغيرا أو كبيرا ، محجورا عليه أو غير محجور عليه ، إلا أن من لا حجر عليه يقبض لنفسه ، أو يقبض له وكيله ، والمحجور عليه كالصغير والمجنون ، يقبض له وليه .