( 8033 ) مسألة ; قال : ( وإن شاء أعتق رقبة مؤمنة ، قد صلت وصامت ; لأن الإيمان قول وعمل ، وتكون سليمة ، ليس فيها نقص يضر بالعمل ) وجملته أن إعتاق الرقبة  أحد خصال الكفارة ، بغير خلاف ; لنص الله تعالى عليه ، بقوله : { أو تحرير رقبة    } . ويعتبر في الرقبة ثلاثة أوصاف ; أحدها ، أن تكون مؤمنة    . في ظاهر المذهب . وهو قول  مالك  ،  والشافعي  ،  وأبي عبيد    . 
وعن  أحمد  ، رواية أخرى ، أن الذمية تجزئ . وهو قول  عطاء  ،  وأبي ثور  ، وأصحاب الرأي ; لقول الله - تعالى : { فتحرير رقبة مؤمنة    } وهذا مطلق ، فتدخل فيه الكافرة . ولنا ، أنه تحرير في كفارة ، فلا يجزئ فيه الكافرة ، ككفارة القتل ، والجامع بينهما ، أن الإعتاق يتضمن تفريغ العبد المسلم لعبادة ربه ، وتكميل أحكامه وعبادته وجهاده ، ومعونة المسلم ، فناسب ذلك شرع إعتاقه في الكفارة ، تحصيلا لهذه  [ ص: 10 ] المصالح ، والحكم مقرون بها في كفارة القتل المنصوص على الإيمان فيها ، فيعلل بها ، ويتعدى ذلك الحكم إلى كل تحرير في كفارة ، فيختص بالمؤمنة ، لاختصاصها بهذه الحكمة . 
وأما المطلق الذي احتجوا به ، فإنه يحمل على المقيد في كفارة القتل ، كما حمل مطلق قوله تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم    } . على المقيد في قوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم    } . وإن لم يحمل عليه من جهة اللغة ، حمل عليه من جهة القياس . الثاني ، أن تكون قد صلت وصامت    . وهذا قول الشعبي  ،  ومالك  ، وإسحاق    . قال  القاضي    : لا يجزئ من له دون السبع ; لأنه لا تصح منه العبادات ، في ظاهر كلام  أحمد    . وظاهر كلام  الخرقي  ، المعتبر الفعل دون السن ، فمن صلى وصام ممن له عقل يعرف الصلاة والصيام ، ويتحقق منه الإتيان به بنيته وأركانه ، فإنه يجزئ في الكفارة وإن كان صغيرا ولم يوجدا منه ، لم يجزئ في الكفارة وإن كان كبيرا . وقال أبو بكر  ، وغيره من أصحابنا : يجوز إعتاق الطفل في الكفارة .  
وهو قول الحسن  ،  وعطاء  ، والزهري  ،  والشافعي  ،  وابن المنذر    ; لأن المراد بالإيمان هاهنا الإسلام ; بدليل إعتاق الفاسق    . قال  الثوري  المسلمون كلهم مؤمنون عندنا في الأحكام ، ولا ندري ما هم عند الله . ولهذا تعلق حكم القتل بكل مسلم ، بقوله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ    } . والصبي محكوم بإسلامه ، يرثه المسلمون ويرثهم ، ويدفن في مقابر المسلمين ، ويغسل ويصلى عليه ، وإن سبي منفردا عن أبويه أجزأه عتقه ; لأنه محكوم بإسلامه ، وكذلك إن سبي مع أحد أبويه ، ولو كان أحد أبوي الطفل مسلما ، والآخر كافرا ، أجزأ إعتاقه ; لأنه محكوم بإسلامه . 
وقال القاضي ، في موضع : يجزئ إعتاق الصغير في جميع الكفارات ، إلا كفارة القتل ; فإنها على روايتين . وقال إبراهيم النخعي  ما كان في القرآن من رقبة مؤمنة ، فلا يجزئ إلا ما صام وصلى ، وما كان في القرآن رقبة ليست بمؤمنة ، فالصبي يجزئ . ونحو هذا قول الحسن    . ووجه قول  الخرقي  ، أن الواجب رقبة مؤمنة ، والإيمان قول وعمل ، فما لم تحصل الصلاة والصيام ، لم يحصل العمل . 
وقال  مجاهد  ،  وعطاء  ، في قوله : { فتحرير رقبة مؤمنة    } قال : قد صلت . ونحو هذا قول الحسن  ،  وإبراهيم    . وقال  مكحول  إذا ولد المولود فهو نسمة ، فإذا تقلب ظهرا لبطن فهو رقبة ، فإذا صلى فهو مؤمنة . ولأن الطفل لا تصح منه عبادة ; لفقد التكليف ، فلم يجزئ في الكفارة ، كالمجنون ، ولأن الصبا نقص يستحق به النفقة على القريب ، أشبه الزمانة . والقول الآخر أقرب إلى الصحة ، إن شاء الله - تعالى ; لأن الإيمان الإسلام ، وهو حاصل في حق الصغير ويدل على هذا { ، أن معاوية بن الحكم السلمي  ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية ، فقال لها : أين الله ؟ قالت : في السماء قال : من أنا ؟ . قالت : أنت رسول الله . قال : أعتقها ، فإنها مؤمنة   } . رواه  مسلم    . 
وفي حديث عن  أبي هريرة  ، { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية أعجمية ، فقال : يا رسول الله : إن علي رقبة . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين الله ؟ فأشارت برأسها إلى السماء .  [ ص: 11 ] قال : من أنا ؟ . فأشارت إلى رسول الله وإلى السماء . أي : أنت رسول الله . قال : أعتقها ;   } . 
فحكم لها بالإيمان بهذا القول . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					