[ ص: 97 ] فصل : ; لأن الحبس عذاب ، وربما كان فيهم من لا يستحق البقاء فيه ، فينفذ إلى حبس القاضي الذي كان قبله ثقة ، يكتب اسم كل محبوس ، وفيم حبس ؟ ولمن حبس ؟ فيحمله إليه ، فيأمر مناديا ينادي في البلد ثلاثة أيام : ألا إن القاضي فلان بن فلان ينظر في أمر المحبوسين يوم كذا ، فمن كان له محبوس فليحضر . فإذا حضر ذلك اليوم ، وحضر الناس ، ترك الرقاع التي فيها اسم المحبوسين بين يديه ، ومد يده إليها ، فما وقع في يده منها نظر إلى اسم المحبوس ، وقال : من خصم فلان المحبوس . وإذا جلس الحاكم في مجلسه ، فأول ما ينظر فيه أمر المحبوسين
فإذا قال خصمه : أنا . بعث معه ثقة إلى الحبس ، فأخرج خصمه ، وحضر معه مجلس الحكم ، ويفعل ذلك في قدر ما يعلم أنه يتسع زمانه للنظر فيه في ذلك المجلس ، ولا يخرج غيرهم ، فإذا حضر المحبوس وخصمه ، لم يسأل خصمه : لم حبسته ؟ لأن الظاهر أن الحاكم إنما حبسه بحق ، لكن يسأل المحبوس : بم حبست ؟ ولا يخلو جوابه من خمسة أقسام ; أحدها ، أن يقول : حبسني بحق له حال ، أنا مليء به . فيقول له الحاكم : اقضه ، وإلا رددتك في الحبس .
الثاني ، أن يقول : له علي دين ، أنا معسر به . فيسأل خصمه ، فإن صدقه ، فلسه الحاكم وأطلقه . وإن كذبه ، نظر في سبب الدين ، فإن كان شيئا حصل له به مال ، كقرض أو شراء ، لم يقبل قوله في الإعسار إلا ببينة بأن ماله تلف أو نفد ، أو ببينة أنه معسر ، فيزول الأصل الذي ثبت ، ويكون القول قوله فيما يدعيه عليه من المال . وإن لم يثبت له أصل مال ، ولم تكن لخصمه بينة بذلك ، فالقول قول المحبوس مع يمينه أنه معسر ; لأن الأصل الإعسار .
وإن شهدت لخصمه بينة بأن له مالا ، لم تقبل حتى تعين ذلك المال بما يتميز به ، فإن شهدت عليه البينة بدار معينة أو غيرها ، وصدقها ، فلا كلام ، وإن كذبها ، وقال : ليس هذا لي ، وإنما هو في يدي لغيري . لم يقبل إلا أن يقر به إلى واحد بعينه ، فإن كان الذي أقر له به حاضرا ، نظرت ، فإن كذبه في إقراره ، سقط ، وقضي من المال دينه ، وإن صدقه نظرت ، فإن كان له به بينة ، فهو أولى ; لأن له بينة ، وصاحب اليد يقر له به ، وإن لم تكن له بينة ، فذكر أنه لا يقبل قولهما ، ويقضى الدين منه ; لأن البينة شهدت لصاحب اليد بالملك ، فتضمنت شهادتها وجوب القضاء منه ، فإذا لم تقبل شهادتها في حق نفسه ، قبلت فيما تضمنته ; لأنه حق لغيره ; ولأنه متهم في إقراره لغيره ، لأنه قد يفعل ذلك ليخلص ماله ، ويعود إليه ، فتلحقه تهمة ، فلم تبطل البينة بقوله . وفيه وجه آخر ، يثبت الإقرار ، وتسقط البينة ; لأنها تشهد بالملك لمن لا يدعيه وينكره . القاضي
الجواب الثالث ، أن يقول : حبسني لأن البينة شهدت علي لخصمي بحق ليبحث عن حال الشهود . فهذا ينبني على أصل ، وهو أن الحاكم هل له ذلك أو لا ؟ فيه وجهان ; أحدهما : ليس له ذلك ; لأن الحبس عذاب ، فلا يتوجه عليه قبل ثبوت الحق عليه . فعلى هذا لا يرده إلى الحبس إن صدقه خصمه في هذا . والثاني ، يجوز حبسه ; لأن المدعي قد أقام ما عليه ، وإنما بقي ما على الحاكم من البحث . ولأصحاب وجهان كهذين ، فعلى هذا الوجه ، يرده إلى الحبس حتى يكشف عن حال شهوده . الشافعي
وإن كذبه خصمه ، وقال : بل قد عرف [ ص: 98 ] الحاكم عدالة شهودي ، وحكم عليه بالحق . فالقول قوله ; لأن الظاهر أن حبسه بحق . الجواب الرابع ، أن يقول : حبسني الحاكم بثمن كلب ، أو قيمة خمر أرقته لذمي ; لأنه كان يرى ذلك . فإن صدقه خصمه ، فذكر القاضي أنه يطلقه ; لأن غرم هذا ليس بواجب .
وفيه وجه آخر ، أن الحاكم ينفذ حكم الحاكم الأول ; لأنه ليس له نقض حكم غيره باجتهاده . وفيه وجه آخر ، أنه يتوقف ويجتهد أن يصطلحا على شيء ; لأنه لا يمكنه فعل أحد الأمرين المتقدمين . قولان ، كهذين الوجهين الأخيرين . وإن كذبه خصمه ، وقال : بل حبست بحق واجب غير هذا . فالقول قوله ; لأن الظاهر حبسه بحق . وللشافعي
الجواب الخامس ، أن يقول : حبست ظلما ، ولا حق علي . فينادي منادي الحاكم بذكر ما قاله ، فإن حضر رجل فقال : أنا خصمه . فأنكره ، وكانت للمدعي بينة كلف الجواب على ما مضى ، وإن لم تكن له بينة ، أو لم يظهر له خصم ، فالقول قوله مع يمينه أنه لا خصم له ، أو لا حق عليه ، ويخلى سبيله .