( 8090 ) مسألة ; قال : ( ولو حنث . ولو حلف أن يدخل ، لم يبر حتى يدخل بجميعه ، أما إذا حلف ليدخلن أو يفعل شيئا ، لم يبر إلا بفعل جميعه ، والدخول إليها بجملته ) لا يختلف المذهب في شيء من ذلك ، ولا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافا ; لأن اليمين تناولت فعل الجميع ، كما لو أمره الله - تعالى بفعل شيء لم يخرج من عهدة الأمر إلا بفعل الجميع ، ولأن اليمين على فعل شيء إخبار بفعله في المستقبل مؤكد بالقسم ، والخبر بفعل شيء يقتضي فعله كله ، حلف لا يدخل دارا ، فأدخل يده أو رجله أو رأسه أو شيئا منه ، ، ففيه روايتان ; إحداهما ، لا يحنث . فأما إن حلف لا يدخل ، فأدخل بعضه ، ولا يفعل شيئا ، ففعل بعضه
حكي عن ; لأن اليمين يقتضي المنع من فعل المحلوف عليه ، فاقتضت المنع من فعل شيء منه ، كالنهي ، فنظير الحالف على الدخول قوله تعالى : { مالك وادخلوا الباب سجدا } . { ادخلوا عليهم الباب } . فلا يكون المأمور ممتثلا إلا بدخول جملته ، ونظير الحلف على ترك الدخول قوله سبحانه : { لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم } .
وقوله : { لا تدخلوا بيوت النبي } . لا يكون المنهي ممتثلا إلا بترك الدخول كله ، فكذلك الحالف على [ ص: 32 ] ترك الدخول ، لا يبرأ إلا بتركه كله ، فمتى أدخل بعضه لم يكن تاركا لما حلف عليه ، فكان مخالفا ، كالمنهي عن الدخول .
ووجه الجمع بينهما ، أن الآمر والناهي يقصد الحمل على فعل الشيء أو المنع منه ، والحالف يقصد بيمينه ذلك ، فكانا سواء ، يحققه أن الآمر بالفعل أو الحالف عليه ، يقصد فعل الجميع ، فلا يكون ممتثلا ولا بارا إلا بفعله كله ، والناهي والحالف على الترك ، يقصد ترك الجميع ، فلا يكون ممتثلا ولا بارا إلا بترك الجميع ، وفاعل البعض ما فعل الجميع ، ولا ترك الجميع ، فلا يكون ممتثلا للأمر ولا النهي ، ولا بارا بالحلف على الفعل ولا الترك .
والرواية ، الثانية لا يحنث إلا بأن يدخل كله . قال ، في رواية أحمد ، صالح ، فيمن وحنبل لم تطلق حتى تدخل كلها ، ألا ترى أن حلف على امرأته لا تدخل بيت أخيها : عوف بن مالك ، قال : كلي أو بعضي ؟ لأن الكل لا يكون بعضا ، والبعض لا يكون كلا . وهذا اختيار ، ومذهب أبي الخطاب ، أبي حنيفة . والشافعي
وهكذا كل شيء حلف أن لا يفعله ، ففعل بعضه ، لا يحنث حتى يفعله كله ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه إلى وهو معتكف ، فترجله وهي حائض . والمعتكف ممنوع من الخروج من المسجد ، والحائض ممنوعة من اللبث فيه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عائشة لأبي بن كعب : " إني لا أخرج من المسجد حتى أعلمك سورة " ، فلما أخرج رجله من المسجد علمه إياها . ولأن يمينه تعلقت بالجميع ، فلم تنحل بالبعض ، كالإثبات .
وهذا الخلاف في اليمين المطلقة ، فأما إن نوى الجميع أو البعض فيمينه على ما نوى . وكذلك إن اقترنت به قرينة تقتضي أحد الأمرين ، تعلقت يمينه به ، فلو قال : والله لا شربت هذا النهر ، أو هذه البركة . تعلقت يمينه ببعضه ، وجها واحدا ; لأن فعل الجميع ممتنع ، فلا ينصرف يمينه إليه ، وكذلك لو قال : والله لا آكل الخبز ، ولا أشرب الماء . وما أشبهه مما علق على اسم جنس ، أو علقه على اسم جمع ، كالمسلمين ، والمشركين ، والفقراء ، والمساكين ، فإنما يحنث بالبعض .
وبهذا قال : وسلمه أصحاب أبو حنيفة في اسم الجنس دون الجمع . وإن علقه على اسم جنس مضاف ، كماء النهر ، حنث أيضا بفعل البعض ، إذا كان مما لا يمكن شربه كله . وهو قول الشافعي ، وأحد الوجهين لأصحاب أبي حنيفة ، والآخر ، لا يحنث ; لأن لفظه يقتضي جميعه ، فلم يتعلق ببعضه ، كماء الإداوة . ولنا ; أنه لا يمكن شرب جميعه ، فتعلقت اليمين ببعضه ، كما لو حلف لا يكلم الناس ، فكلم بعضهم ، وبهذا فارق ماء الإداوة ، وإن نوى بيمينه فعل الجميع ، أو كان في لفظه ما يقتضي ذلك ، لم يحنث إلا بفعل الجميع ، وإن قال : والله لا صمت يوما . لم يحنث حتى يكمله . الشافعي
وإن حلف : لا صليت صلاة ، ولا أكلت أكلة . لم يحنث حتى يكمل الصلاة والأكلة . وإن لم تطلق حتى تطهر من حيضة مستقبلة . وإن قال لامرأتيه : إن حضتما ، فأنتما طالقتان . لم تطلق واحدة منهما حتى تحيضا كلتاهما فهذا وأشباهه مما يدل على إرادته فعل الجميع ، فوجب تعلق اليمين به . قال لامرأته : إن حضت حيضة ، فأنت طالق .
وقال في رجل أحمد إذا غابت الشمس من ذلك اليوم طلقت . وقال القاضي : إذا حلف : لا صليت صلاة . لم يحنث حتى يفرغ مما يسمى صلاة . ولو قال لامرأته : إذا صمت يوما ، فأنت طالق : ، حنث في الصلاة بتكبيرة الإحرام ، وفي الصيام بطلوع الفجر إذا نوى الصيام . وبهذا قال حلف لا يصلي ، ولا يصوم . ووافق الشافعي في [ ص: 33 ] الصيام ، وقال في الصلاة : لا يحنث حتى يسجد سجدة . أبو حنيفة
ولنا ، أنه يسمى مصليا بدخوله في الصلاة ، فحنث به ، كما لو سجد سجدة ، ولأنه شرع فيما حلف عليه ، أشبه الصيام يشرع فيه . واختار أنه لا يحنث حتى يصلي ركعة بسجدتيها ، ولا يحنث في الصيام حتى يصوم يوما كاملا ; لأن ما دون ذلك لا يكون بمفرده صوما ولا صلاة . والأول أولى ; فإن كل جزء من ذلك صلاة وصيام ، لكن يشترط لصحته إتمامه ، وكذلك يقال لمن أفسد ذلك : بطل صومه وصلاته . أبو الخطاب