( 8237 ) مسألة ; قال : ( ولا يحكم الحاكم بعلمه ) ظاهر المذهب أن ، لا فيما علمه قبل الولاية ولا بعدها . هذا قول الحاكم لا يحكم بعلمه في حد ولا غيره ، شريح والشعبي ، ، ومالك وإسحاق ، ، وأبي عبيد . وهو أحد قولي ومحمد بن الحسن . وعن الشافعي رواية أخرى : يجوز له ذلك . وهو قول أحمد ، أبي يوسف ، والقول الثاني وأبي ثور ، واختيار للشافعي ; { المزني هند : إن رجل شحيح ، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي . قال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف أبا سفيان } . لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت له
فحكم لها من غير بينة ولا إقرار ، لعلمه بصدقها . [ ص: 102 ] وروى ، في " كتابه " أن ابن عبد البر عروة رويا ، أن رجلا من ومجاهدا بني مخزوم استعدى على عمر بن الخطاب أبي سفيان بن حرب ، أنه ظلمه حدا في موضع كذا وكذا . قال : إني لأعلم الناس بذلك ، وربما لعبت أنا وأنت فيه ، ونحن غلمان ، فأتني عمر . فأتاه به ، فقال له بأبي سفيان : يا عمر ، انهض بنا إلى موضع كذا وكذا . فنهضوا ، ونظر أبا سفيان ، فقال : يا عمر ، خذ هذا الحجر من هاهنا فضعه هاهنا . فقال : والله لا أفعل . فقال : والله لتفعلن . فقال : والله لا أفعل . فعلاه بالدرة ، وقال : خذه لا أم لك ، فضعه هاهنا ، فإنك ما علمت قديم الظلم . فأخذ أبا سفيان الحجر ، ووضعه حيث قال أبو سفيان ، ثم إن عمر استقبل القبلة ، فقال : اللهم لك الحمد حيث لم تمتني حتى غلبت عمر على رأيه ، وأذللته لي بالإسلام . قال : فاستقبل القبلة أبا سفيان ، وقال : اللهم لك الحمد ، إذ لم تمتني حتى جعلت في قلبي من الإسلام ما أذل به أبو سفيان . لعمر
قالوا : فحكم بعلمه . ولأن الحاكم يحكم بالشاهدين ، لأنهما يغلبان على الظن ، فما تحققه وقطع به ، كان أولى ، ولأنه يحكم بعلمه في تعديل الشهود وجرحهم ، فكذلك في ثبوت الحق ، قياسا عليه . وقال : ما كان من حقوق الله ، لا يحكم فيه بعلمه ; لأن حقوق الله تعالى مبنية على المساهلة والمسامحة ، وأما حقوق الآدميين فما علمه قبل ولايته لم يحكم به ، وما علمه في ولايته ، حكم به ; لأن ما علمه قبل ولايته بمنزلة ما سمعه من الشهود قبل ولايته ، وما علمه في ولايته ، بمنزلة ما سمعه من الشهود في ولايته . أبو حنيفة
ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { } . فدل على أنه إنما يقضي بما يسمع ، لا بما يعلم { إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه الحضرمي والكندي : شاهداك أو يمينه ، ليس لك منه إلا ذاك } . وروي عن . وقال النبي صلى الله عليه وسلم في قضية رضي الله عنه أنه تداعى عنده رجلان ، فقال له أحدهما : أنت شاهدي . فقال : إن شئتما شهدت ولم أحكم ، أو أحكم ولا أشهد . عمر
وذكر ، في " كتابه " ، عن ابن عبد البر رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم { عائشة على الصدقة ، فلاحاه رجل في فريضة ، فوقع بينهما شجاج ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاهم الأرش ، ثم قال : إني خاطب الناس ، ومخبرهم أنكم قد رضيتم ، أرضيتم ؟ قالوا : نعم . فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فخطب ، وذكر القصة ، وقال : أرضيتم ؟ قالوا : لا . فهم بهم أبا جهم المهاجرون ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ، ثم صعد ، فخطب الناس ، ثم قال : أرضيتم ؟ . قالوا : نعم } . بعث
وهذا يبين أنه لم يأخذ بعلمه . وروي عن رضي الله عنه أنه قال : لو رأيت حدا على رجل ، لم أحده حتى تقوم البينة . ولأن تجويز القضاء بعلمه يفضي إلى تهمته ، والحكم بما اشتهى ، ويحيله على علمه . فأما حديث أبي بكر الصديق ، فلا حجة فيه ; لأنه فتيا لا حكم ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى في حق أبي سفيان من غير حضوره ، ولو كان حكما عليه لم يحكم عليه في غيبته . وحديث أبي سفيان الذي رووه ، كان إنكارا لمنكر رآه ، لا حكما ، بدليل أنه ما وجدت منهما دعوى وإنكار بشروطهما ودليل [ ص: 103 ] ذلك ما رويناه عنه ، ثم لو كان حكما ، كان معارضا بما رويناه عنه ، ويفارق الحكم بالشاهدين ; فإنه لا يفضي إلى تهمة ، بخلاف مسألتنا . عمر
وأما الجرح والتعديل ، فإنه يحكم فيه بعلمه ، بغير خلاف ; لأنه لو لم يحكم فيه بعلمه ، لتسلسل ، فإن المزكيين يحتاج إلى معرفة عدالتهما وجرحهما ، فإذا لم يعمل بعلمه ، احتاج كل واحد منهما إلى مزكيين ، ثم كل واحد منهما يحتاج إلى مزكيين ، فيتسلسل ، وما نحن فيه بخلافه .