( 8432 ) مسألة ; قال : ( إلا أنه إن كان يهوديا ، قيل له : قل : والله الذي أنزل التوراة على موسى .  وإن كان نصرانيا ، قيل له : قل : والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى    . وإن كان لهم مواضع يعظمونها ، ويتوقون أن يحلفوا فيها كاذبين ، حلفوا فيها ) . ظاهر كلام  الخرقي  ، رحمه الله ، أن اليمين لا تغلظ إلا في حق أهل الذمة   ، ولا تغلظ في حق المسلمين . ونحو هذا قال أبو بكر    . 
ووجه تغليظها في حقهم ، ما روى  أبو هريرة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني لليهود    - : { نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى  ، ما تجدون في التوراة على من زنى ؟   } . رواه أبو داود  وكذلك قال  الخرقي    : تغلظ بالمكان ، فيحلف في المواضع التي يعظمها ، ويتوقى الكذب فيها . ولم يذكر التغليظ بالزمان . 
وقال  [ ص: 212 ]  أبو الخطاب  إن رأى التغليظ في اليمين في اللفظ بالزمان والمكان  فله ذلك . قال : وقد أومأ إليه  أحمد  ، في رواية  الميموني    . وذكر التغليظ في حق المجوسي  ، قال : فيقال له : قل : والله الذي خلقني ورزقني . وإن كان وثنيا حلفه بالله وحده . 
وكذلك إن كان لا يعبد الله ; لأنه لا يجوز أن يحلف بغير الله ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من كان حالفا ، فليحلف بالله ، أو ليصمت   } . ولأن هذا إن لم يكن يعتد هذه يمينا ، فإنه يزداد بها إثما وعقوبة ، وربما عجلت عقوبته ، فيتعظ بذلك ، ويعتبر به غيره . وهذا كله ليس بشرط في اليمين ، وإنما للحاكم فعله إذا رأى . وممن قال : يستحلف أهل الكتاب  بالله وحده .  مسروق  ،  وأبو عبيدة بن عبد الله  ،  وعطاء  ،  وشريح  ، والحسن  ، وإبراهيم بن كعب بن سور  ،  ومالك  ،  والثوري  ،  وأبو عبيد    . 
وممن قال : لا يشرع التغليظ بالزمان والمكان في حق مسلم    .  أبو حنيفة  وصاحباه . وقال  مالك  ،  والشافعي    : تغلظ . ثم اختلفا ; فقال  مالك    : يحلف في المدينة  على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحلف قائما ، ولا يحلف قائما إلا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستحلفون في غير المدينة  في مساجد الجماعات ، ولا يحلف عند المنبر إلا على ما يقطع فيه السارق فصاعدا ، وهو ثلاثة دراهم . وقال  الشافعي    : يستحلف المسلم بين الركن والمقام بمكة  ، وفي المدينة  عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سائر البلدان في الجوامع عند المنبر ، وعند الصخرة في بيت المقدس  ، وتغلظ في الزمان في الاستحلاف بعد العصر ، ولا تغلظ في المال إلا في نصاب فصاعدا ، وتغلظ في الطلاق والعتاق والحد والقصاص . وهذا اختيار  أبي الخطاب    . 
وقال  ابن جرير    : تغلظ في القليل والكثير . واحتجوا بقول الله تعالى : { تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله    } . قيل : أراد بعد العصر . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من حلف على منبري هذا بيمين آثمة ، فليتبوأ مقعده من النار   } . فثبت أنه يتعلق بذلك تأكيد اليمين . 
وروى  مالك  ، قال : اختصم  زيد بن ثابت  وابن مطيع  ، في دار كانت بينهما ، إلى  مروان بن الحكم  ، فقال زيد    : أحلف له مكاني فقال  مروان    : لا والله ، إلا عند مقاطع الحقوق . قال : فجعل زيد  يحلف أن حقه لحق ويأبى أن يحلف عند المنبر ، فجعل  مروان  يعجب . ولنا ، قول الله تعالى : { فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما    } . 
ولم يذكر مكانا ولا زمنا ، ولا زيادة في اللفظ . واستحلف النبي صلى الله عليه وسلم ركانة  في الطلاق ، فقال : { آلله ما أردت إلا واحدة ؟ . قال : آلله ما أردت إلا واحدة   } . ولم يغلظ يمينه بزمن ، ولا مكان ، ولا زيادة لفظ ، وسائر ما ذكرنا في التي قبلها . وحلف  عمر  لأبي  حين تحاكما إلى  زيد  في مكانه ، وكانا في بيت  زيد    . وقال  عثمان   لابن عمر    : تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه ؟ وفيما ذكروه تقييد لمطلق هذه النصوص ، ومخالفة الإجماع . 
فإن ما ذكرنا عن الخليفتين  عمر   وعثمان  ، مع من حضرهما ، لم ينكر ، وهو في محل الشهرة ، فكان إجماعا . وقوله تعالى : { تحبسونهما من بعد الصلاة    } . إنما كان في حق أهل الكتاب  في الوصية في السفر ، وهي قضية خولف فيها القياس في مواضع ; منها قبول شهادة أهل الكتاب  على المسلمين ، ومنها استحلاف الشاهدين ، ومنها استحلاف خصومهما عند العثور على استحقاقهما الإثم ، وهم لا يعلمون بها  [ ص: 213 ] أصلا ، فكيف يحتجون بها ؟ ولما ذكر أيمان المسلمين أطلق اليمين ، ولم يقيدها . 
والاحتجاج بهذا أولى من المصير إلى ما خولف فيه القياس وترك العمل به . وأما حديثهم ، فليس فيه دليل على مشروعية اليمين عند المنبر  ، إنما فيه تغليظ اليمين على الحالف عنده ، ولا يلزم من هذا الاستحلاف عنده . وأما قصة  مروان  ، فمن العجب احتجاجهم بها ، وذهابهم إلى قول  مروان  في قضية خالفه  زيد  فيها ، وقول  زيد  ، فقيه الصحابة وقاضيهم وأفرضهم ، أحق أن يحتج به من قول  مروان    ; فإن قول  مروان  لو انفرد ، ما جاز الاحتجاج به ، فكيف يجوز الاحتجاج به على مخالفة إجماع الصحابة ، وقول أئمتهم وفقهائهم ، ومخالفته فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإطلاق كتاب الله تعالى ؟ وهذا ما لا يجوز . 
وإنما ذكر  الخرقي  التغليظ بالمكان واللفظ في حق الذمي ، لاستحلاف النبي صلى الله عليه وسلم اليهود  ، بقوله : { نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى    } . ولقول الله تعالى في حق الكتابيين { تحبسونهما من بعد الصلاة    } . ولأنه روي عن كعب بن سور  ، في نصراني قال : اذهبوا به إلى المذبح ، واجعلوا الإنجيل في حجره ، والتوراة على رأسه . 
وقال الشعبي  في نصراني : اذهب به إلى البيعة ، فاستحلفه بما يستحلف به مثله . وقال  ابن المنذر    : لا أعلم حجة توجب أن يستحلف في مكان بعينه ، ولا بيمين غير الذي يستحلف بها المسلمون . وعلى كل حال ، فلا خلاف بين أهل العلم ، في أن التغليظ بالزمان والمكان والألفاظ غير واجب ، إلا أن ابن الصباغ  ذكر أن في وجوب التغليظ بالمكان قولين  للشافعي    . 
وخالفه ابن القاص  ، فقال : لا خلاف بين أهل العلم ، في أن القاضي حيث استحلف المدعى عليه في عمله وبلد قضائه ، جاز ، وإنما التغليظ بالمكان فيه اختيار فيكون التغليظ عند من رآه اختيارا واستحسانا . 
				
						
						
