علاقة مزورة..
والمضحك أن دعاة العروبة لا يحسنون لغتهم، مما أكد عندنا أن دعاة هـذه القومية العربية سماسرة غزو أجنبي، وأن علاقتهم بالعربية ومآثرها ومواريثها علاقة مزورة، وأنهم قنطرة صنعت عمدا لتعبر عليها أديان وفلسفات وقوميات أخرى!!
أقترح تكوين لجنة تختار ألف كلمة عربية مثلا مما يحتاج المرء العادي إليه في البيت والسوق والشارع والوظيفة والعبادة... إلخ، وأن يكون أساس الانتقاء لهذه الكلمات ترك المترادفات - وهي في لغتنا كثيرة - وإيثار الثلاثي على الرباعي ما أمكن، وأخذ الكلمات المنضبطة تحت قاعدة في تصاريف الأفعال وفي جموع التكسير - وهي في لغتنا معقدة - وتفضيل ما استعمل في الكتاب والسنة، وتفضيل ما سهل على اللسان من المدارس النحوية المختلفة، ويمكن الاستعانة بالصور وآلات ضبط النطق..
ويبدأ المعنيون بتعليم المسلمين الأعاجم، وإن كان التخطيط يبدأ بمشروع [ ص: 89 ] شامل لنشر العربية بين أبنائها (!) وبين المسلمين الذين لا يعرفونها.. وبين الأجانب عامة بعد ذلك..
إن هـذا اقتراح ساذج، وما أريد إلا بدء العمل فورا، فلغتنا في خطر! وعند المتخصصين طرائق شتى، والمهم هـو أن نغار على لغتنا وتراثنا، وأن يقف الزحف المروع الذي يكاد يجتاحنا من كل ناحية..
إن ناسا من قادة هـذه الفترة العجفاء من تاريخنا، يتناولون الساسة القدامى بالهزء! وقد سمعت بعضهم يضن على (( سعد زغلول )) بلقب الزعامة، وأنا لا صلة لي بسعد أو بغيره، ولكني أعلم أن سعدا لما تولى وزارة المعارف في مصر كان التعليم في المراحل الأولى باللغة الإنكليزية، كان كتاب الحساب المقرر على الصف الابتدائي تأليف ((مستر تويدي))! وكذلك سائر العلوم، فألغى سعد هـذا كله، وأمر أن تدرس المقررات كلها باللغة العربية وأن توضع مؤلفات جديدة باللغة القومية!!
وبذلك المسلك الناضج حفظ على مصر عروبتها..
لقد كانت في سعد بقية من ثقافته الأزهرية الإسلامية، جعلته يفعل ما يفعل! قال لي أحد الناس: إن سعدا اقترف كذا... قلت له:
إن كان لا بد من اختيار أحد الشرين فلنرتكب أخف الضررين!! إن سعدا - غفر الله له - أحسن إلى جيلنا كله بجعلنا عربا..
والمطلوب الآن: هـل يستطيع رجل أن يفعل فعل سعد، فيعرب التعليم الجامعي، إنه انكليزي في أقطار، فرنسي في أقطار، روسي في أقطار، ولا توجد صيدلة عربية ولا طب عربي!! إلخ..
هل من زعيم شجاع غيور يبدأ هـذا العمل، ويتمه في عشر سنين؟؟ [ ص: 90 ]