الاحتراز يقتصر على الكتاب والسنة دون غيرهما
وبالطبع فإن الاحتراز يقتصر على الوحي الإلهي (الكتاب والسنة ) ولا يتعداهما إلى الفقه أو الاجتهادات الفكرية؛ التي أثمرها العقل المسلم من خلال تفاعله مع الوحي الإلهي، ومحاولته فهم الكتاب [ ص: 29 ] والسنة والاستنباط منهما.
إذ لا ضرر من الانتخاب أو النقد عند التعامل مع المنظومات الفكرية والفقهية، وما دام الدين يدخل في التراث ونحن نعيش الدين وقيمه ومقاييسه؛ وإن علاها غبش حينا، وأصابها انحراف حينا آخر، وما دامت التقاليد والأعراف الاجتماعية الموروثة تدخل في التراث رغم أنا نعيشها ربما منقحة، أو مختزلة، أو متطورة لكنها ليست منفكة عن جذورها القديمة؛ مادام الأمر كذلك فلن يبقى ثمة مجال للتساؤل إن كان التراث شيئا دارسا نريد أن نحييه، فحياتنا الحضارة ليست منبتة الجذور ولا مجهولة الأصول، ولكن الصلة بين حاضرنا وماضينا تبدو ضعيفة أصابها الوهن بسبب الاضمحلال الحضاري، وضعف عملية التواصل الثقافي خلال القرون الأخيرة.
وعندما بدأت النهضة الحديثة في العالم الإسلامي لم تواكبها رؤية واضحة لقضية التراث وحركة الإحياء، بل إن وقوع المنطقة تحت دائرة نفوذ الحضارة الغربية القوي ولد تيارات فكرية معادية لحركة الإحياء، ومؤيده للسير وراء الحضارة الغربية، مما ولد التناقضات في بنية المجتمع الإسلامي الحديث وأعاق نهضته الحضارية، فالحضارة إنما تولد وتزدهر في مجتمع تحكمه " أيديولوجية " واضحة توحد حركته باتجاه الهدف، وتعطيه الحوافز الروحية اللازمة للبناء والتقدم. [ ص: 30 ]