تـلازم التربيـة والتعلـيم
وإذا ركزت على الناحية التربوية فلأن الجامعات الإسلامية تحمل رسالة الإسلام بكل محتواها وشمولها، ولذلك لا يمكن فصل الهدف التربوي عن الهدف التعليمي، بل ينبغي أن يتواكبا، إن الأستاذ هـو المربي والمعلم حقا، وإن قدوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لخص أهداف بعثته بقوله : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) .
لقد تربت أجيال المسلمين الأولى على أيدي العلماء الذي كان إسهامهم في توجيه المجتمع وتحصينه من المؤثرات الجاهلية أقوى من دور السلطات الرسمية في معظم مراحل التاريخ الإسلامي، وإن كانت القوتان تتحدان في تحقيق هـذا الهدف في مراحل معينة كعصر الراشدين.
وإن ما قام به " ابن مسعود " في الكوفة كان له الأثر البالغ في نشأة مدرسة الحديث الكوفية، ودور " أبي موسى الأشعري " .. في بناء مدرسة القراءات البصرية واضح، ودأب التابعون من بعدهم على نشر [ ص: 107 ] العلم وتربية الأجيال الإسلامية.. فكان " عامر الشعبي " بمكة المكرمة ، و " سعيد بن المسيب " في المدينة المنورة ... و " الحسن البصري " و " محمد بن سيرين " في البصرة ، وقام من بعدهم مئات الأعلام بدورهم الذي مكن للإسلام في قلوب الناس وفي ديار الإسلام معا.
ومنع " أحمد بن حنبل " بوقفته المشهورة سريان الانحراف في العقيدة معرضا نفسه للخطر.. وكان ألوف الناس يتوبون على يد " ابن الجوزي " ببغداد ، ويعلن العشرات إسلامهم إثر كل خطبة يلقيها في جامع المنصور، ويقف " ابن تيمية " وقفته المشهورة لصد غزو التتار .
ولا يخفي دور " العز بن عبد السلام " في تهيئة المجتمع الإسلامي أمام الغزو المغولي.. هـكذا تتالت الأجيال، ومعها العلماء والقادة المربون يحفظون لها هـويتها بإحياء معالم السنن.
إن دور العلماء في بناء المجتمع الإسلامي أساسي وفعال، وإن الأمة اليوم تتعرض لأعتى أنواع الغزو في مراحل تاريخنا الثقافي والحضاري، وهي بحاجة إلى وقفة مشهودة من علمائها لمنع انحراف الأجيال الإسلامية المعاصرة عن الإسلام عقيدة وشريعة. وإن نعمة الإيمان من أجل النعم التي أنعمها الله على المسلمين، فما [ ص: 108 ] ينبغي التفريط بهذه الأمانة الثقيلة، قال الله تعالى: ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ) (إبراهيم:28 ) .