[ 5 ] الإعداد المهني
يواجه العالم العربي والإسلامي تخلفا تكنولوجيا، وضعفا في الإنتاج، وقصورا في استيعاب المعطيات الحضارية ونقلها والاستفادة منها، ويرجع ذلك إلى اتجاهات المجتمعات العربية الفكرية المغلوطة نحو العمل والإنتاج، وفي ذلك بعد عن مقاصد الإسلام في تربية الناس والشباب خاصة باحترام العمل مهما كان، والسعي في سبيل الرزق باعتبار العمل وسيلة تقرب إلى الله، وعبادة له، وتسخيرا لما أعطى من النعم.
والإسلام دين له منهجه الواضح في أخلاقيات العمل، ووظيفته في الحياة، والضوابط المنظمة له، فإذا كانت قوانين العمل مرتبطة بمعايير بشرية؛ فإن قوانين العمل الإسلامية مرتبطة بخشية الله ومراقبته ومحاسبته، وقد أخبرنا الله عز وجل بما أنعم على الرسل من تعلم الصناعات فيما ذكر عن داود عليه السلام ( وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ) [الأنبياء:80 ] ( وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا ) [هود:37-38 ] وأخبرنا عن قصة ذي القرنين ، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك معروفة. غير أننا نستطيع أن نوجه اهتمامات الشباب نظريا وعمليا إلى ما يأتي: [ ص: 147 ]
في الجانب النظري
(1 ) العمل في الإسلام عبادة: يتقرب بها المرء إلى الله، وقيمة الإنسان عند الله بعمله وجهده وإثرائه للحياة،وبالتالي فإن العمل الذي يكلف به الشاب في مدرسته، أو المنظمة الموجهة له، أو الذي تطلبه الدولة منه، أو الذي يسعى فيه لرزقه ورزق أهله كله عبادة يؤجر عليها؛ شريطة أن تكون النية لله من الطالب والمطلوب، وأن يتوفر شرط العمل وهو الإتقان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) [1] .
(2 ) الحياة سعي وعمل، ومجاهدة وكدح في سبيل الرزق الذي به تعمر الأرض وتثرى الحياة، ولا راحة من العمل ولا تعطل إلا وقت صلاة الجمعة ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) [الجمعة:9-10 ].
وتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك معروفة، وكذلك قصة سيدنا عمر مع من قالوا بالتوكل مع ترك العمل، وتصحيحه لخطأ فهمهم لحقيقة التوكل في العمل، وما أخبر من أن الرجل كان يسقط من عينيه إذا علم أنه بغير صنعة.
(3 ) العمل المناسب للشخص المناسب: أدرك علماء المسلمين تفاوت [ ص: 148 ] قدرات الناس في تعلم الصناعات والمهن بتفاوت قدراتهم العقلية والجسمية، ومدى استعدادهم للتلاؤم مع العمل، فابن سينا يقول: " ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له مواتية، ولكن ما شاكل طبعه وناسبه،وإنه لو كانت الآداب والصناعات تجيب وتنقاد بالطلب والمرام دون المشاكلة والملائمة ما كان أحد غفلا من الأدب، وعاريا من الصناعة، وإذن لأجمع الناس كلهم على اختيار أشرف الآداب، وأرفع الصناعات، وربما نافر طباع الإنسان جميع الآداب والصناعات فلم يعلق منها بشيء، ولذلك ينبغي لمدبر الصبي إذا رام اختيار صناعة أن يزن أولا طبع الصبي، ويسبر قريحته، ويختبر ذكاءه، فيختار له الصناعات بحسب ذلك " [2] .
وفي هـذا منهج عملي لتوجيه الشباب إلى العمل المناسب لهم، والذي يعود بالفائدة لبلدانهم حسب تخصصاتهم؛ حتى لا يوضع خريج المدرسة الصناعية في التدريس أو الوظائف الكتابية، أو وضع غير الأكفاء في المناصب القيادية التنفيذية مع وجود الكفايات لتلك المناصب، كما نشاهد في كثير من الدول المتخلفة، حيث يوجه أصحاب الثقافة البسيطة والتعليم المتوسط، والخبرة القليلة إدارات لها أهميتها في الإنتاج والتربية والتعليم، وفي هـذا خسارة تؤدي إلى ضعف التربية، وتخلف الاقتصاد، والأمية الحضارية والعلمية؛ كما أنه يقلل من طموح الشباب نحو العلم والتنافس فيه؛ حيث يرون الاعتبارات التي لا صلة لها بالعلم والإنتاج هـي التي تضع الناس في مناصب عليا بل تجعل القيادة والتوجيه بأيديهم. [ ص: 149 ] (4 ) التقدم الحضاري ماديا وروحيا مرتبط بالتقدم في مجال العمل والصناعة؛ حيث تقوم علاقات الإنتاج على مدى تعاون أفراد الأمة في نقل تجاربهم، وتبادل خبراتهم مع غيرهم ومع بعضهم، فقد روى البخاري ( أن أباذر الغفاري رضي الله عنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فأجابه: تعين صانعا أو تصنع لأخرق )
في الجانب التطبيقي
لا بد أن يكون الإعداد المهني للشباب ضمن محتويات المنهج الدراسي؛ حتى تكون التربية قادرة على تلبية احتياجات المجتمع من متخصصين، وفنيين، وعمال مهرة، وحتى يكون التعليم النظري قادرا على إعداد الشباب القابل للتدريب، ولتلقي الدراسات العملية الفنية وهذا يقتضي ما يأتي:
(1 ) إدخال التعليم الفني في برامج التعليم العامة، بحيث يدرب الطلاب على جميع الأعمال المهنية، فإذا زاد استعداد شخص ما للعمل المهني وجه إليه دون أن يفقد ميزات زملائه، وقد لاحظت أن الشباب في المدارس البريطانية يتعلمون في سن مبكرة أنواعا من المهن، كالنجارة والحدادة والميكانيكا وغير ذلك؛ حتى تكتشف استعداداتهم؛ لتوجيههم في سن مبكرة إلى نوع التخصص العملي لمناسب لهم، وهذا يؤدي إلى فوائد كثيرة، أهمها: تغيير نظرة المجتمع المتوارثة إلى تفضيل الدراسة النظرية على العملية، وإلى تغيير النظرة الاجتماعية في تقدير الأشخاص تبعا لذلك. [ ص: 150 ] (2 ) المساواة في فرص التعليم الجامعي والعالي بين طلاب المدارس الصناعية الفنية والمدارس الأكاديمية، وتوجيه طلاب المدارس الصناعية الفنية إلى الكليات العملية المتفقة مع تخصصاتهم؛ سواء في كليات الهندسة أو الزراعة أو البيطرة أو الكليات التكنولوجية، وهذا يقتضي أن يكون المهج الدراسي في التعليم الثانوي والفني الصناعي متقاربا فيما يؤدي إلى التعليم الجامعي العالي، وهذا يؤدي إلى الانفتاح والتوسع في التعليم الصناعي الفني، ويكون عامل جذب لكثير ممن يتهيبون هـذا النوع من التعليم الفني لأنه لا يحقق طموح الشباب في دراسات جامعية وعليا.
(3 ) أن يكون تقدير الناتج المادي للوظيفة بقيمة العمل ونوعية الإنتاج فيه؛ لا بما يحدد سلفا فيما يسمى بمسمى الوظيفة أو الكادر الوظيفي، أو أن يكون الكادر موضوعا بحيث يحقق هـذا الهدف، وهذا يؤدي إلى تلاشي الفروقات بين من يعملون عملا منتجا ومن يعملون عملا لا يساوي عائده ومردوده في قيمته المعنوية والاقتصادية والاجتماعية عمل المنتج المحس الإنتاج والبذل والجهد... [ ص: 151 ]