مـا هـو المـخـدر؟ الإنسان في بحثه عن السكينة واللذة، وفي مكافحته للألم، تعامل مع عدد من النباتات المتميزة بخواص وصفية. ومن هـذه النباتات ما هـو شاف من الداء العضال؛ ومنها ما هـو سم قتال. وبين هـاتين الصفتين نجمت العلاقة الجدلية، ما بين الدواء والسم؛ وبين الحقيقة والخيال، والفعل والتأمل، وما بين التحرر والقهر والاستعباد.
فهناك فرق عظيم بين تناول الدواء بقصد الشفاء، وبين تناوله بحثا عن الهدوء والسكينة واللذة. في الحالة الأولى يؤخذ الدواء بمقادير محددة وفي أوقات وأشكال موصوفة، أما في الحالة الثانية فليس للمقدار من حدود؛ بل يزداد الشره يوما بعد يوم؛ ويتناول المدمن العقار دونما حاجة للدواء.
ونستطيع أن نقول: بأن الدواء هـو مركب طبيعي أو صنعي يتناول بمقادير مناسبة بقصد المعالجة والشفاء.
أما المخدر Drogue فهو مادة طبيعية أو صنعية، تتمتع بخواص فيزيولوجية متميزة. ومن هـنا يمكن أن نقول: بأن المخدرات هـي في الأصل مواد أولية لصناعة الدواء. إلا أنها مع الزمن ومع طبيعة الاستعمال أخذت منحى جديدا في التعريف.
أما في كتب اللغة فنجد أن المخدر والمفتر معناهما متقارب جاء في لسان العرب: الفتر الضعف، وفتر فتورا لانت مفاصله وضعف. وفي [ ص: 21 ] المصباح المنير ومعجم متن اللغة: خدر العضو استرخى فلا يطيق الحركة، وخدرت عينه ثقلت من قذى أو غيره. والخدرة الضعف والفتور يصيب الأعضاء والبدن.
وذكر الإمام القرافي في كتابه (الفروق) التفرقة بين المسكر والمرقد والمفسد:
فالمسكر: هـو الذي يغطي العقل ولا تغيب معه الحواس. ويتخيل صاحبه كأنه نشوان مسرور قوي النفس شجاع كريم.
والمرقد: هـو الذي يغيب الحواس، كالسمع والبصر والشم والذوق واللمس، كالبنج.
أما المفسد: فهو المشوش للعقل كالحشيش والأفيون، وسائر المخدرات والمفترات، التي تثير الخلط الكامن في البدن. ولذلك تختلف أوصاف مستعمليها فتحدث حدة لمن كان مزاجه صفراويا: وتحدث سباتا وصمتا، لمن كان مزاجه بلغميا، وتحدث بكاء وجزعا، لمن كان مزاجه سوداويا، وتحدث سرورا لمن كان مزاجه دمويا، فتجد من متناوليها من يشتد بكاؤه، ومنهم من يشتد صمته، ومنهم من يعظم سروره وانبساطه [1] .
اقتصر اسم المخدر Drogue في الماضي على المخدرات التقليدية التي تشمل الأفيون ومشتقاته، ثم أضيف الكوكا والقنب الهندي إلى القائمة. ووضعت هـذه المركبات في الجدول الصيدلاني (ب) الذي [ ص: 22 ] يقضي بعدم صرف الدواء إلا بناء على وصفة طبية خاصة، وكانت تعتبر من أنجح الأدوية المسكنة للآلام.
وخلال السنين القريبة، ظهرت في الأسواق مركبات جديدة، تتمتع بتأثير واضح على الجملة العصبية الدماغية، وتؤدي إلى انحراف عقلي ظاهر، حتى إن كثيرا منها يؤدي إلى الإذعان والاستعباد، نتيجة للاستعمال المستمر، والحاجة الماسة التي تنشأ عن هـذا الاستعمال.
وشعورا بهذا الخطر، استنجدت السويد التي تعاني من مشاكل الانسمام بالأدوية المنبهة والمحرضة، ولجأت إلى لجنة المخدرات التابعة لهيئة الأمم المتحدة، والتي قامت بدورها بعقد اتفاق دولي، من شأنه توسيع مراقبة القانون على مواد مسببة للخبل، دعيت بالمواد المهلوسة Hallucinogenes بالإضافة إلى الأمفيتامينات، والمشتقات الباربيتورية والمهدئات.
وعلى هـذا الأساس، لم يعد لكلمة (العقار المخدر) أي معنى محدد، بل أصبح معناها واسعا جدا، وشاملا المركبات التي تؤدي للإنسمام والاستعباد كافة، والمريض المصاب، هـو في الواقع مريض متعدد الانسمام، نتيجة لاستعماله خليطا مختلفا من المواد المنبهة والمهلوسة، والمشتقات الأفيونية أو المركبات الباربيتورية وغيرها..
والإحصاء الأخير الذي تم حديثا في فرنسا أشار إلى أن هـذه المواد، يفوق عددها 500) مركب، تتصف جميعها بالسيطرة على المريض، وتؤدي إلى الاضمحلال البدني، والانهيار النفسي والعصبي والضعف العقلي، وقد تؤدي أيضا إلى نتائج متقاربة، بحيث يصعب على الفاحص [ ص: 23 ] تشخيصها بصورة سريرية، كما كان يشخص المصاب بالانسمام الأفيوني مثلا.
وعلاوة على ذلك، فإن هـذه المواد - نظرا لابتعادها عن حدود المراقبة القانونية - تباع في أسواق التهريب بصورة غير نقية، وقد تحتوي على شوائب خطيرة السمية، تضاف بقصد الغش، أو لتقوية فعاليتها المخدرة.
وبناء على ذلك، فلا يمكن مسبقا التنبؤ بالفعالية التي تنتجها هـذه المواد، بل يمكن الجزم بأن آثارها الخطيرة ستكون متنوعة ومختلفة تمام الاختلاف. والشيء الوحيد الذي يجمع بينها هـو أنها تؤدي للانهيار، والإذعان التام لسيطرة العقار المخدر، بالإضافة إلى التأثير الواضح على العقل والبدن على حد سواء.
وتمشيا مع الواقع الذي يفرضه استعمال هـذه المركبات فقد اقترحت منظمة الصحة العالمية أن يترك استعمال تعبير الانسمام بالمخدرات Taxicomanie وأن يستعمل بدلا عنه تعبير (الإذعان) أو (الخضوع) لسيطرة العقاقير المخدرة.
والشخص (المذعن) هـو الشخص الذي يتعاطى المخدر يوميا. أو بصورة مستمرة تقريبا ويصل إلى مرحلة لا يمكنه معها الاستغناء عنه. [ ص: 24 ]