التربية ورباط الولاية
ينبه القرآن إلى ضرورة العلم بالنوعين من الولاية، وقيام التربية بالتمييز بينهما بغية اتقاء التداخل أو الاختلاط بين الأفكار والتطبيقات، والروابط والولاء، مما يضعف ولاية الأمة المسلمة، ويبطل فاعليتها. وأبرز الظواهر التي تختلط فيها مفاهيم الولاية والرعاية هـي: روابط العصبية والدم والمصالح الاقتصادية، ولذلك أخضعتها التربية الإسلامية لتوجيهاتها، وسمحت بها مادامت صلة رحم تدور في فلك ولاية الإيمان. أما إذا انقلبت عصبية جاهلية، واصطدمت بولاية المؤمنين، فعند ذلك لا مكان لها في أمة المؤمنين، وإلى ذلك يشير أمثال قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هـم الظالمون * قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) [التوبة:23، 24].
والرسول صلى الله عليه وسلم يخرج من بقي مواليا لروابط العصبية من دائرة الانتماء للأمة المسلمة، وأنه ليس من هـذه الأمة من دعا إلى عصبية، أو قاتل على عصبية، أو مات على عصبية [1] وتبدو الحكمة من المفهوم الإسلامي للولاية حين ننظر في العلاقة بين فاعلية الولاية وسعة دائرتها. فالأمة التي تمتد حدود الولاية فيها إلى دائرة الإيمانية التي تتسع للإنسانية كلها، تتفوق على الأمة التي ينتهي رباط الولاية فيها عند الدائرة القومية، والأمة التي ينتهي رباط الولاية فيها عند القوم تتفوق على الأمة التي ينتهي فيها رباط الولاية عند دوائر القبلية. والسبب: أنه كلما اتسعت دائرة الولاية تطلبت إلى قدر أكبر من العمل الجماعي، ومحتويات أوسع وأعمق لروابط الإيمان، والهجرة، والجهاد، [ ص: 109 ] والرسالة، والإيواء، والنصرة، وإلى قدر أكبر من الوسائل وتكنولوجيا التنظيم. وهذا ما يفسر تخلف مجتمعات العالم الثالث وتفوق مجتمعات أمريكا وأوروبا واليابان، ذلك أن ولاء الفرد والجماعات في المجتمعات المتفوقة يمتد حتى دائرة القوم، بينما ينتهي ولاء الفرد في مجتمعات العالم الثالث - ومنه العالم الإسلامي - عند دائرة القبلية، أو الطائفية، ولذلك تتحدد جهوده ونشاطاته واهتماماته بحدود الدوائر القبلية والطائفية، وبما يكفي احتياجاتها المحدودة، مما يجعل أهدافه أصغر، وطموحاته أدنى، ونشاطاته ووسائله في المعرفة والعمل والإنتاج أقل. [ ص: 110 ]