المبحث الأول
الإشراف الإلهي على الرسول صلى الله عليه وسلم
لقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، منذ صباه تحت الرعاية الإلهية، حفظه الله من العقد النفسية التي قد تصيب الإنسان من جراء يتمه، [ ص: 111 ] أو فقره، أو غيره من الدواعي، هـذه الرعاية التي عبر عنها القرآن أحسن تعبير، فقد قال تعالى في الذكر الحكيم: ( ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى ) [الضحى:6-8].
فكان في حياته مثال الخلق الرفيع، ثم نزل عليه الوحي، ليؤدي الرسالة التي اختير لها، فكان أمينا يسير على هـديه، حتى ( إن عائشة رضي الله عنها ، لما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت: القرآن ) [1]
إلا أنه عليه السلام ، قد يجتهد ويخطئ، وهنا يتدخل الوحي الإلهي، مصححا ومقوما ما صدر منه عليه السلام ، كما حدث عندما جاءه عمرو بن أم مكتوم -وهو رجل أعمى- طالبا منه أن يعلمه مما علمه الله، وألح عليه في الطلب، وهو لا يعلم أن الرسول مقبل على كبار رجال قريش يدعوهم، فعبس النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، فنزلت الآيات توجهه الوجهة السليمة [2] قال تعالى: ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ) [عبس:1-4].
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عندما يلتقي بابن أم مكتوم، يقول له: " مرحبا بالذي عاتبني فيه ربي " .
وتأمل كيف لامه الله تعالى لافتدائه أسرى بدر [3] في قوله: ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم ) [الأنفال: 68].
وبهذا يتضح أن الرسول ما حاد اجتهاده عن الصواب، إلا وتدخل [ ص: 112 ] الوحي لإرشاده إلى سواء السبيل. وهذا الإشراف جعل منه النموذج السامي الذي يقتدى به