ثانيا: الرؤية المفصلة لأهم قضايا الوثيقة
منهج الكتابة في هـذا الجزء من البحث، يعنى بطرح بعض القضايا الهامة، التي تضمنتها الوثيقة، للتحليل في ضوء الفقه الإسلامي، وليس كل القضايا التي نادت بها هـذه الوثيقة النكراء، لضيق المقام، وهو تحليل مجرد تمام التجرد عن أي تحيز، أو استنصار لفكر على حساب فكر آخر، دونما وجه حق كان، ولكنه التحليل الذي يجمع شتات المسألة التي تبحث، ثم استخلاص حكمها من كتاب ربنا المعصوم، جملة، وتفصيلا، ومن سنة نبينا عليه السلام الثابتة التي ضبطها الفقهاء والعلماء الثقات، بما ينفى عنها الأوهام، ويجعلها ضميمة للقرآن الكريم، لا تند عنه ولا تبعد عن هـداه.
وعلة هـذا المسلك في منهجية البحث هـنا، أننا نحن معاشر المسلمين مخاطبون بأحكام القرآن والسنة، بل وأدلة الأحكام المجمع على حجيتها، والمختلف في حجيتها أيضا، لذا لزم علينا بموجب الخطاب والتكليف، حماية الإسلام في عقائده، وأخلاقه، وتنفيذه في تشريعه، وأحكامه.. ومع أن هـذا الواجب مخاطب به ولي الأمر ابتداء، إلا أن الكافة من المسلمين، لا سيما من يملك بضعة من أدوات [ ص: 71 ] الصناعة الفقهية، مخاطبون أيضا ابتداء وانتهاء، وهو خطاب ذو شقين: إيجابي وسلبي.
الأول: الشق الإيجابي
ويعنى بتعليم العقيدة، وحقائق الإيمان، والأخلاق، والأحكام.. وللناس في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فقد كان يفعل ذلك، سواء في العهد المكي قبل نشوء الدولة، وبنائها، أم بعدها، وكان يرسل الصحابة رضوان الله عليهم لتعليم أهل القبائل كافة جوانب الشرع المطهر، وكذلك فعل من بعده خلفاؤه، فهذا هـو " عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول :...إنما بعثت عمالي إليكم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم، ويقيموا بينكم دينكم " [1] ويقول ابن تيمية يرحمه الله، في كتابه السياسة الشرعية : وكما أن العقوبات شرعت داعية إلى فعل الواجبات، وترك المحرمات، فقد شرع أيضا كل ما يعين على ذلك، فينبغي تيسير طريق الخير والطاعة، والإعانة عليه، والترغيب فيه، بكل ممكن... وكذلك الشر، والمعصية، ينبغي حسم مادته، وسد ذريعته، ودفع ما يفضي إليه [2] [ ص: 72 ]
الثاني: الشق السلبي
ومضمونه: منع انتشار العقائد الباطلة، والانحراف، والتشويه، والخرافات، التي يمكن أن تحدث تحت ستار الإسلام نفسـه، وهذا ما سماه ابن تيمية : [منع الغش والتدليس في الديانات].. ومن الأمثلة التي ذكرها الإمام ابن تيمية على ذلك : البدع المخالفة للكتاب، والسنة، وإجماع سلف الأمة، من الأقوال والأفعال، وتجويز الخروج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإظهار الخزعبلات السحرية، وغير ذلك [3] وكل الذي سبق يجمعه القاضي أبو يعلى في الأحكام السلطانية بقوله : حفظ الدين على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة، فإن زاغ ذو شبهة عنه، بين له الحجة، وأوضح له الصواب، وأخذه بما يلزمه من الحقوق، والحدود، ليكون محروسا من الخلل، والأمة ممنوعة من الزلل [4] . [ ص: 73 ]