ثالثا : المساواة وعلاقة الزوجين
أ - حق تأديب الزوج لزوجه، لايتنافى مع المساواة - فيما جعلت فيه المساواة - بل هـو من مقتضياتها، لأنه حق مشروط بعدم الطاعة فيما أوجبه الله عليها من طاعته.. وأصل هـذا الحق القوامة، التي جعلها الله عز وجل للرجل : ( الرجال قوامون على النساء ) ، وقوله سبحانه : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا )
(النساء : 34) ، فإذا علمنا أن الخوف هـنا يعني التيقن، على أرجح الأقوال، وأن النشوز، معصية الزوج، مأخوذ من النشز : أي الارتفاع، فكأنها ارتفعت، وتعالت عما أوجب الله عليها من الطاعة، وأن الضرب - المباح شرعا - بكيفيته المشروعة، مرحلة أخيرة، ونهائية، وفي ذلك يقول القاضي ابن العربي : من أحسن ما سمعت في تفسير هـذه الآية، [ ص: 78 ] قول سعيد بن جبير ، قال : يعظها، فإن هـي قبلت، وإلا هـجرها، فإن هـي قبلت وإلا ضربها، فإن هـي قبلت، وإلا بعث حكما من أهله، وحكما من أهلها، فينظران ممن الضرر، وعند ذلك يكون الخلع. [1] والرجال، والنساء لايستوون في ذلك، فإن العبد يقرع بالعصا، والحر تكفيه الإشارة. وأنه من المتفق عليه فقها، أن ما يؤدب فيه الزوج المعاصى التي لا حد فيها.. وأن الإمامين مالك وأبا حنيفة رحمهما الله، يريان أن الضرب لا يكون لأول معصية، مما يعني أن يعاقب من يضرب زوجته لأول أو لثاني معصية [2] .. وأن الإمام أحمد رحمه الله يرى أن يسأل الزوج عن سبب الضرب، وأن ليس للزوج أن يضرب زوجته أي ضرب شاء، فحقه مقيد في ذلك، كما أنه مقيد بمواضع معينة.. وأن الأمامين أبا حنيفة، والشافعي ، يريان أن الزوج يضمن تلف أثر الضرب لزوجته، سواء أكان الضرب مما يعتبر تأديبا، أو كان أشد من ذلك، لأن التأديب فعل يبقى المؤدب بعده حيا، كما يقـول أبو حنيفة.. أما تخريج الشافعي لذلك، فيعني أن التأديب ليس واجبا على الزوج، إنما هـو حقه، ومتروك لاجتهاده، فيتحمل نتيجة اجتهاده.. ومتأخري الحنفية، والشافعية، يرون أن الحقوق يقيد استعمالها بشرط السلامة [3] [ ص: 79 ]
وكل هـذا أو غيره مما هـو على مستوى الصلات الاجتماعية، والشخصية الأسرية، يهذب وقائع الحياة غير المتناهية، ليقترب بها من فكرة المساواة، في إطار المودة والرحمة، التي ناطها الشارع بعقد الزواج، على الرغم من القوامة المتاحة للرجـل علـى المـرأة، فهي قوامـة لا تخل بالمساواة، وهي لصالح المرأة، حيث لا تستوي حركة حياة الناس إلا بذلك.
ب - وعلى مستوى العلاقات المالية، فالندية التي تعني تمام المساواة، قائمة بينهما، فلكل منهما ذمته المالية المستقلة.. والمرأة باستقلال ذمتها، يكون تسلم مهرها حقا لها، تحقيقا للمعاوضة التي تقتضي المساواة أيضا إلى جانب حق الزوجة، وهذا كله في ابتداء العقد، ولكل من هـذه الحقوق أثره قطعا، إلا أن ذلك لايقدح في مسألة المساواة بل يتسق معها، ويؤكدها.. وبيان ذلك هـو :
1 - من ناحية، إن المهر حق لا بد منه شرعا في الزواج، فلا المرأة، ولا وليها يملكان إتمام الزواج دون مهر، بل لا تملك المرأة، ولا وليها أيضا، أن يكون الزواج بمهر يقل عن المحدد شرعا [4] ، إلا إذا تنازل صاحب الحق عن بعضه أو كله. [ ص: 80 ]
2 - ومن ناحية أخرى، فإن للزوجة، وأوليائها، حق المهر، ومناط هـذا الحق ألا يقل المهر عن المثل، بما لايتغابن الناس فيه عادة، مما يعني أن المرأة الكبيرة لو زوجت نفسها بأقل من مهر المثل، كان لوليها الاعتراض وطلب الفسخ، إن لم يرض بما فعلت، لأن لها إسقاط حقها دون حق وليها، الذي يبقى له مادام لم يرض بإسقاطه.. وكذلك لو زوج الصغيرة غير أبيها أو جدها من أوليائها، بأقل من مهر المثل، كان العقد غير صحيح، رعاية لحقها [5] .
3 - إن المهر يثبت للزوجة بمجرد العقد، دينا في ذمة زوجها، إن كان من النقود أو الأموال المثلية، كما يكون أمانة لديه، وفي ضمانه إن كان من القيميات كقطعة من الأرض مثلا، ومن حق الزوجة أن تطلب كفيلا به، ولهذه الكفالة أثرها الشرعي في جانب الزوجة [المكفول لها]، وفي جانب الزوج [المكفول عنه] [6] .
وكل الذي سبق - كما نرى - لايقدح في المساواة في الحقوق المالية، بل يميل ميزان الشرع فيه لجانب المرأة، ومن هـنا كان قذى في عيون الحاقدين من أعداء الإسلام. [ ص: 81 ]