الأصول
أقام ابن تيمية رحمه الله أصول حكمه على المبتدعة، وفق منهج السلف من أئمة العلم والهدى، متبعا لهم في الأحكام، ومتصفا بما كانوا يتحلون به من خلال التعامل مع هـؤلاء المخالفين، وقد بين منهج السلف الذي اتبعه في هـذا الشأن، فقال: " وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان: فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة، سالمين من البدعة ، ويعدلون على من خرج عنها، ولو ظلمهم كما قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) (المائدة: 8) ،
ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون الشر لهم ابتداء، بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم، كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هـي العليا " [1] .
حقا إن ابن تيمية ترجم هـذا المنهج إلى علم وعمل، معتمدا على [ ص: 65 ] الدليل الشرعي في بيان مفارقة البدعة للسنة، والحكم عليها وعلى أصحابها حسب درجتها، متوخيا في ذلك الدقة المتناهية، حذرا من الوقوع في الخطأ أو الزلل، ولا سيما ما يتصل بالتضليل أو التفسيق أو التفكير، ومتحريا العدل في إنصاف المخالفين، وإثبات ما عندهم من حق أو باطل، وما لهم من محامد أو مذام، متجردا في ذلك دون أن تدفعه الغيرة على السنة، والكراهة للبدعة، إلى الوقوع في الظلم أو الحيف في الحقوق، وقاصدا الرحمة بالمخالفين، والإحسان إليهم، باذلا في سبيل بيان الحق والهداية إليه كل ما يملك من جهد ووقت، أو ما يلائم من حكمة وموعظة حسنة وجدال بالتي هـي أحسن، أو ما يؤدي إلى الزجر والردع، حسب ما تقضيه المصلحة، أو يدفع المفسدة بأنجع وسيلة، مع تدرج في سلوك هـذا بما يعيدهم إلى رشدهم، أو يكف أذاهم عن غيرهم، متقيا الاعتداء أو التشفي، مريدا الخير والإصلاح، مبتغيا وجه الله تعالى وإعلاء دينه.
هذا جملة المنهج الذي سار عليه ابن تيمية في تحرير أصول حكمه على المبتدعة، التي جاءت منضبطة وواضحة ودقيقة، تمثل تفصيل منهج أهل السنة والجماعة، في التعامل مع المبتدعة والحكم عليهم، وإليك البيان... [ ص: 66 ]