سابعا: الاجتهاد الجماعي سبيل إلى توحيد الأمة
الأمة الإسلامية أحوج ما تكون إلى اجتماع كلمتها، واتحاد رؤيتها في ما يحل مشاكلها، لتبني على ذلك توحدها في المواقف والتعاملات، ولن يأتي ذلك إلا إذا كانت حلولها لمشاكلها وقضاياها العامة نابعة من رؤية جماعية [ ص: 88 ] تسعى إلى جمع الكلمة وتوحيد الصف، بعيدا عن الرؤى الفردية المتنافرة، التي تأتي على الأمة بالتفرق في الأفكار والتشتت في الصف والتضارب في الأحكام، مما يجعل الناس في حيرة من أمرهم، وفيما ينبغي أن يعملوا به في القضايا العامة التي تحتاج إلى توحيد في الموقف، واتحاد في الحكم، ولعل الاجتهاد الجماعي هـو السبيل إلى إيجاد ذلك. يقول الأستاذ عبد الكريم الخطيب في هـذا المضمار: ولا يجوز الاجتهاد بالرأي لفرد واحد مهما أوتي من المواهب والمؤهلات، لأن التاريخ قد أثبت أن الفوضى التشريعية في الفقه الإسلامي كان من أكبر أسبابها الاجتهاد الفردي، حيث تتشعب الآراء، وتكثر الخلافات التي تفرق وحدة الأمة إلى مذاهب وشيع. [1] .
ويقول الأستاذ علي حسب الله : ومنها [أي أفعال المكلفين] ما يتعلق بمعاملاتهم، بعضهم مع بعض، واختلاف الأحكام في هـذا مجاف للنظام ومجانب للعدل، وخاصة في البيئة الواحدة والبيئات المتماثلة. والاجتهاد هـنا إنما يفيد فائدة عملية إذا اتجه وجهة جماعية، بأن تكون هـناك جماعة من المجتهدين: ينظرون فيما جد من الحوادث، ويستنبطون مستعينين بالمأثور من آراء السابقين ما يلائم أحوالهم من الأحكام، وتكون أحكامهم هـذه نافذة في الناس: يلزمون جميعا باتباعها، ويحكم القضاة بمقتضاها [2] .
ويقول الشيخ عبد الوهاب خلاف : الذين لهم الاجتهاد بالرأي هـم الجماعة التشريعية الذين توافرت في كل فرد واحد منهم المؤهلات [ ص: 89 ] الاجتهادية التي قررها علماء الشرع الإسلامي، فلا يسوغ الاجتهاد بالرأي لفرد مهما أوتي من المواهب واستكمل من المؤهلات، لأن التاريخ أثبت أن الفوضى التشريعية في الفقه الإسلامي كان من أكبر أسبابها الاجتهاد الفردي [3] .