المبحث الثالث: حجية المقاصد
إثبات المقاصد
من المعلوم صراحة وقطعا أن التشريع الإسلامي لا يخلو من إقرار حقيقة مقاصدية أحكامه وتعاليمه، تلك الحقيقة التي أجمع عليها كافة الباحثين والدارسين، وأقرتها مختلف العقول والأعراف والعوائد والقوانين في كل زمان ومكان، فهو منطو على مقاصده في الخلق وغاياته في الوجود وأسراره وحكمه في حياة الناس وأحوالهم [1] [ ص: 56 ]
وقد اصطلح على تسمية تلك الغايات والأسرار والحكم ( بمقاصد الشريعة ) ، التي هي أمر ثابت وأصل مقطوع به، وحجة يقينية يجب اعتقادها والتسليم بها، ويلزم استحضارها والالتفات إليها في عملية الاجتهاد الفقهي وفي بيان الأحكام وتطويرها والترجيح بينها.
فالأحكام الشرعية عند جماهير العلماء جملة وتفصيلا متضمنة لمقاصدها وأغراضها، ومنطوية على مصالح الخلق وإسعادهم في الدارين، سواء أكانت هذه المقاصد حكما ومعاني جزئية تفصيلية، أم كانت مصالح ومنافع كلية عامة، أم كانت سمات وأغراضا كبرى تحيط بأبواب وأحكام شتى.
وإجمالا فإن الأحكام بمقاصدها المختلفة، تشكل النظام الشامل والنسيج الأصولي المتناسق الذي على المجتهد أن يستحضره ويطبقه في عملية الاستنباط، وأن لا يكتفي تجاهه بالاهتمام بالألفاظ والمباني وظواهر النصوص والأحكام، دون النظر في المعاني والأسرار ومختلف أوجه التأويل والتعليل.
ومن ثم فهي ضرورية لازمة للفقيه وغيره كضرورة النصوص نفسها، وإلا ظل الفقه كيانا بدون روح، فارغا من كل دلائله وأهدافه .
ويمكن أن نورد بعض الأدلة والشواهد على ذلك : [ ص: 57 ]
-عموم الأدلة وخصوصها [2] : ومثال ذلك قوله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسـر ) ( البقرة: 185 )
وقوله: ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ( الحج: 78 ) ، وغير ذلك من الشواهد في القرآن والسنة.
- قواعد الفطرة السليمة ومسلمات العقل وقوانين النظام الكوني البديع، والتي تدل على أن خلق الكائنات لم يكن عبثا ولا سدى، وإنما أقر لعبودية الله تعالى وإسعاد البشرية في الدارين.