دور أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في رواية الحديث
الحديث عن عائشة [1] رضي الله عنها يأخذ أبعادا شتى، في فضلها أو سعة علمها أو فقهها أو أدبها.
مناقبها رضي الله عنها
مناقب عائشة رضي الله عنها كثيرة منثورة في كتب السنة، بفضلها ومكانتها، ولقد فتحت رضي الله عنها - عينيها في بيت قد نوره الله بنور الإسلام، فكانت " تقول: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان [ ص: 46 ] الدين. " [2] . فنشأت في هـذا البيت النقي، العظيم البركات تحت رعاية أبيها أبي بكر صلى الله عليه وسلم أحب رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [3] ، وأول من ساند الدعوة الإسلامية، وأنفق من ماله ليشتد عود الإسلام. ثم انتقلت رضي الله عنها إلى البيت النبوي وهي ما زالت صبية تلعب [4] ، فاستقبلها سيد الخلق - عليه الصلاة والسلام - فأتم رعايتها وتوجيهها، فصلب عودها في بيت كان منزل الوحي، وكتب له أن يكون فيما بعد منارة من منارات العلم، وفوق هـذا فقد أحبها عليه الصلاة والسلام حبا شديدا كان يعلن به، وكثيرا ما كانت تفخر بهذه المزية وتعدها ضمن الخصال الكثيرة التي حباها الله تعالى بها دون سائر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعا [5] ، ولو لم يكن لها رضي الله عنها إلا هـذه المنقبة لكفتها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحب إلا طيبا. وكانت مظاهر حب النبي لعائشة بينة في كلامه عليه الصلاة والسلام وحركاته وسكناته، وفرحه، وترحه، وكان يعتبر إيذاء عائشة [ ص: 47 ] من إيذائه، معللا أن الوحي ما نزل عليه وهو في لحاف امرأة من نسائه غير عائشة [6] .
وقد كان ذكر عائشة ومحضرها دائما محل بركة للجميع، فتعددت بذلك مناقبها وفضائلها، وقد جمع لها الزركشي في كتابه (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ) أربعين منقبة لها وحدها لم تشترك معها فيها امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم .. وهذه الأفضلية، كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على بيانها للناس، ليعرف الجميع قدر هـذه المرأة الجليلة، حيث ( قال صلى الله عليه وسلم : كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام ) [7] .. ويعلق الإمام الذهبي على هـذا الحديث بقوله: وقرائن تدل على أن هـذه الأفضلية كانت بأمر إلهي، وأن هـذا من أسباب حبه عليه الصلاة والسـلام الشديد لها [8] ، وقد أدرك النـاس مكـانة عائـشة عنـد النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يتحرون بهداياهم يومها، تقربا إلى مرضاته عليه الصلاة والسلام ، الأمر الذي أزعج بقية أمهات المؤمنين [9] . [ ص: 48 ]
فهذا الهدي النبوي الذي رسمه الرسول صلى الله عليه وسلم في حق أم المؤمنين عائشة ينبغي أن نقتفي أثره، إيمانا وتدينا، وأداء لدين ورثناه من نبي الإسلام، وخلاف ذلك كما يصنع بعض الفرق المنحرفة الضالة -ليس هـذا محل ذكره- فيه ارتجاج لأركان الدين، إذ على أكتاف هـؤلاء الصحب الكرام وجهودهم -وحظ عائشة من هـذا كبير- وصلتنا رسالة الإسلام كاملة غير منقوصة، والعدوان على هـذا الحق يبين خطورته " عمار بن ياسر وهو يرد على رجل نال من عائشة بقوله: اغرب مقبوحا، أتؤذي حبيبة رسول الله " صلى الله عليه وسلم [10] .