معركتنا ومعركة الغرب
في الغرب تجسدت النصرانية - وهي عقيدة بلا شريعة - بالكنيسة، ومع تقدم الأيام أصيبت الكنيسة بالتيبس والجمود، فحين اخترع شخص ألماني مصباحا يعمل بالكاز، حكمت الكنيسة بكفره، لأنه خالف إرادة الرب، بجعل الليل المظلم منورا.. وحين قال العلماء بكروية الأرض ثارت الكنيسة وعرضتهم على محاكم التفتيش الدينية، التي راحت تحكم بقتلهم، وقدر عدد من عرض على هذه المحاكم السيئة أكثر من (350) ألف إنسان بينهم الكثير [ ص: 135 ] من مسلمي الأندلس، وهنا حصلت ثورة ضد الكنيسة انتهت بهزيمتها، وكان من أسوأ مفرزاتها إلحاد العلماء، ورفع شعار: "العالم لا يكون متدينا، والمتدين لا يكون عالما".
الإسلام ليس لديه كنيسة ولا رجال دين، ولا معصوم - كما هو حال البابا - والفقهاء رجال علم، قيمة ما يقولون يتأتى من قوة الدليل وصحته، وليس من مركز "المعصومية" التي لا تخطىء.. وحين أراد الخليفة الراشد عمر منع المغالات في المهور، تصدت له امرأة - على رءوس الأشهاد - وساقت الدليل الشرعي، فلم يزد الخليفة على أن قال: " أخطأ عمر وأصابت امرأة " .
وقال له صحابي يوما وهو على المنبر: لو نعلم فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا.. فلم يزد أن قال: " الحمد لله أن وجد في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يقوم اعوجاج عمر " .
أما معركتنا فكانت ضد الدولة، التي جاء بها الإسلام، ونظم حقوق وواجبات الحاكم والمحكوم.
إن المجتمع الشرقي عموما، والإسلامي على وجه الخصوص، يتخذ من الدين والقيم الدينية ملاذه، بل مصدر قوته، وهو يصارع الدولة، التي تحلم بالتوسع دائما، وبالغلبة أبدا، وأن يكون الولاء لها أولا وآخرا.. إن معركتنا الأولى ضد الدولة التي لا تخضع لسوى قانون القوة، والتي تنتج القوة.
والمطلوب من الدين لجم سلطة القوة، وإخضاعها لمبادىء الشريعة وأحكامها، من هنا كان الإسلام وما زال قريبا من المجتمع، وكانت الكنيسة ضد المجتمع، وضد العلم تحديدا. [ ص: 136 ]
إن شرعية الدين في الغرب بيد الدولة، فهي التي تعترف بالكنيسة أو لا تعترف.. أما شرعية الدولة - عندنا - فهي بيد الإسلام، فالدولة التي لا يرضى عنها الإسلام لا شرعية لها.