كيفية تجهيز وجبة رضاعة صناعية للطفل
أغلى المياه لكي تجهزي وجبة الطفل، ثم اتركيها تبرد، ولا تستخدمي المياه المعدنية أو المياه المخففـة صـناعيا؛ لأن المحـتوى الصناعي يعد [ ص: 69 ] عاليا بدرجة شـديدة، وإذا لم تتوفر مياه الصنبور، اسـتخدمي مياها مغلية ذات معدلات صوديوم منخفضة، ويجب أن تحتوي على أقـل من 9 جرامات في اللتر الواحد، كما يجب دائما أن تغلي المياه المرشحة، ثم ضعي باعتدال اللبن، وقومي بتجهيز الطعام بعناية، ثم ضعي غطاء الزجاجة، وقومي بعزلها، ورجها بقوة، وبعد ذلك ضعي الحلمة المعقمة.
ويمكنك أن تجهزي عدة زجاجات مرة واحدة، على أن تضعيها في الثلاجة لمدة تصل إلى 24 ساعة، وأن تستخدمي المنطقة الرئيسة من الثلاجة، القريبة بدرجة أكثر من منطقة الباب؛ لأنها أكثر برودة. وقبل كل وجبة قومي بتسخين الزجاجة مباشرة قبل تقديمها لطفلك، وذلك بوضعها في إناء من الماء الساخن، ويجب أن تحفظي الإناء بعيدا عن متناول يد طفلك، وتأكدي أن اللبن ليس ساخنا بدرجة أكثر من اللازم، وذلك برج الزجاجة، ثم صبي بعض اللبن على داخل معصمك قبل أن يتناوله الطفل، لاختبار درجة حرارته، وحـاولي ألا تقومي بتسخين الزجاجات في فرن الميكروويف، وإذا فعلت ذلك، فقومي بتدفئة اللبن فقط برفق، ورجي الزجاجة بدقة قبل اختبار درجة سخونة اللبن على رسغك.
أما عن مقدار اللبن الذي يجب تقديمه للطفل، فالمعروف أنه يستهلك حوالي ست زجاجات تحتوي على 90 ملليمترا في اليوم الواحد، وهذه هـي الكمية المقدرة للطفل الذي يبلغ وزنه عند الولادة حوالي 3 كيلوجرامات، وعندما يبلغ وزن الطفل 4 كيلوجرامات، قومي [ ص: 70 ] بإرضاعـه خمس مـرات يوميا بمقدار 120 ملليمترا، وهو ما سيكون مناسبا لسنه، ومع ذلك فإن احتياجات الطفل تختلف، لذلك راجعي طبيبك الخاص عندما تأخذين طفلك إليه، لكي يتم وزنه في العيادة.
وعلى عـكس الأطفـال الذين يتم إرضـاعهم بطريقة طـبيعية، فلا يوجد نقص مبدئي في الوزن بعد الولادة إذا بدئ في إرضاعهم صناعيا خلال 24 ساعة، وقد تكون الأم في حاجة من حين لآخر إلى أن تعطي طفلها مشروبات من المياه الباردة، التي سبق غليها من قبل بزجاجة معقمة، ولكن على عكس لبن الأم، لا يمكن استخدامها لكي تفي باحتياجات طفلك من الغذاء.
وليكن معلوما لكل أم ولغيرها، أن الرضاعة الطبيعية لا تعادلها رضاعة أخرى، مهما قيل عن فوائدها الصحية، ومهما قيل عن محتوياتها الصناعية التي أضيفت لها من الفيتامينات أو المعادن ، أو غير ذلك من المواد الغذائية؛ لأنه من المعلوم طبيا أن المواد الطبيعية، كالفواكه والخضراوات واللحوم، وغيرها من المواد الغذائية، تكون أنسب ما تكون، من حيث فائدتها للجسم، وعدم تضرر الجسم منها، عندما تكون طازجة، وأقرب ما تكون لحالتها الطبيعية، أما إن تعرضـت للغلي مرة أو عـدة مرات، أو وضعت في درجات حرارة منخفضة عن الصـفر للحفـظ من التلف أو أضيفت إليها عدة مواد أخرى، وتمت معالجتها بالمواد الكيماوية، للعمل على تجفيفها وحفظها، فإن ذلك كله يؤدي إلى فقدان هـذه المواد الطبيعية لكثير من عناصرها الغذائية المفيدة للجسم. [ ص: 71 ]
فإرضاع الطفل من ثدي أمه يفيده صحيا ونفسيا، وهذا ما لا يتحقق في الرضاعة الخارجية، علاوة على أن اللبن الحيواني المجفف يختلف عن لبن الأم في عدة أمور، نشير هـنا إلى بعضها:
1- أن اللبن الحيواني يحتاج إلى الغلي، لتعقيمه وقتل ما به من الميكروبات، كما يجب المحافظة عليه بعد ذلك من التلوث، أو الحشرات، أما اللبن الآدمي فخال من البكتريا التي تسبب النـزلات المعوية.
2- اللبن الحيواني يحتاج إلى تخفيف بالماء قبل إعطائه للطفل، وكمية الماء التي تضاف للبن يحتاج تحديدها إلى دقة، فالإقلال من الماء يؤدي إلى جعل اللبن أعسر هـضما، والإكثار منه يؤدي إلى إقلال قيمة اللبن الغذائية.
3 - أن الماء الذي يضاف إلى اللبن، ينبغي أيضا غليه لضمان خلوه من الميكروبات، وعند إعطائه للطفل يجب تبريده لدرجة مناسبة، ليمكنه أخذه؛ لأن درجة الحرارة لو زادت تؤدي إلى التهاب فمه، ولو قلت تؤدي إلى متاعب لجهازه الهضمي.
4- أن اللبن الحيواني يحتاج إلى إضافة السكر إليه، لا لتحليته فقط بل لأن السكر يمثل قيمة غذائية يحتاجها الطفل، كما أنه من المعروف علميا أن ألبان إناث الحيوانات تناسـب أولادها الرضـع ولا تناسب الطفل الآدمي، فاللبن الذي يفرزه كل نوع من الحيوانات يختلف في تكوينه عن بقية الألبان الأخرى، في حين أنه يناسب النوع الذي أفرز له.
5- عند تحضير الرضعة للطفل، تكون عرضة للتلوث لأسباب عديدة [ ص: 72 ] منها عدم نقاء الماء أو عدم نظافة الشخص الذي أعد الرضعة، أو مرضه، إلى غير ذلك من الأضرار التي قد تحدث للطفل نتيجة وجود عناصر خارجية له، هـذا إذا افترضنا أن اللبن خال من الميكروبات والأمراض.
6- فيما يتعلق باللبن المجفف -بصفة خاصة- فإن الرضعـة لا يتم إعدادها للطفل، إلا قبل موعد تناولها مباشرة، فإن حدث عارض للطفل، كتعب مفاجئ، أو نوم، فإنه يجب الاستغناء عنها وعمل رضعة أخرى عند استعداده لتناولها، وكـذلك الحال فيما يتـبقى من كل رضعة، فإنه لا يستعمل للرضاعة مرة أخرى، خوفا على الطفل من إرباك معدته وأمعائه، وفي هـذا إسراف لا داعي له.
7- أن أنواع الألبان المجففة عديدة متنوعة، وما يناسب طفلا معينا قد لا يناسب الآخر، وما يناسبه في وقت معين، قد لا يناسبه في وقت آخر، فإعطـاء الطفل لبنا غير مناسب يؤدي إلى الأضرار به، أما لبن الأم فهو أسهل هـضما، ويحتوي على أنزيمات تساعد على هـضم الدهون، بينما لا توجد هـذه الأنزيمات في الألبان الحيوانية.
8- أن لبن الأم يمتاز على اللبن الحيواني بأنه يحتوي على مضادات حيوية، تساعد على زيادة المناعة لدى الطفل، وتزيد مقاومته للعدوى ويحتوي على العناصر الغذائية المناسبة لصحة الطفل ونموه، وبخاصة فيتامين ج، د.
9- لوحظ أن اللبن الآدمي يقل عن ألبان الحيوانات الثديية في نسبة الزلال ، والدهون ، والأملاح ، وهو لذلك يعتبر أفضل للطفل، ويتبين ذلك [ ص: 73 ] من الجدول التالي :
اللبن زلال دهن سكر أملاح آدمي 1.5 3.5 6 0.2 بقري 3 4 4 0.8 جاموس 3 6 4 0.8 ماعز 3 4 4 0.8
10- وفيما يتعلق بالفرق بين اللبن الآدمي ولبن الأبقار، مثلا، لوحظ أن لكل منهما مكوناته التي تختلف عن الآخر، وفقا لما يلي:
أ - أن نسبة السكر في اللبن الآدمي، تكاد تصل إلى ضعف نسبة السكر الموجود في لبن البقر.
ب - أن نسبة بعض المعادن، كالكالسيوم في لبن البقر، حوالي أربعة أمثاله في اللبن الآدمي، وكذلك الفوسفور، حيث تصل نسبة الزيادة إلى ستة أمثال، وتزيد أيضا بمقادير متفاوتة في الصوديوم، والكلور، والماغنسيوم، والبوتاسيوم.
ج - أن نسبة الفيتامينات ، تختلف في اللبنين. وقد أشرنا إلى الاختلافات بين مكونات اللبن الآدمي، والألبان الأخرى؛ لأن من يتناول هـذه الألبان، لن يحتوي جسمه على النسب المتعادلة التي خلقها الله في جسم الإنسان، والتي تلائم طبيعته ونشاطه وحياته، وأن اضطراب هـذه [ ص: 74 ] النسب، بالزيادة أو بالنقص، يؤدي إلى أضرار وأمراض نتيجة الاعتماد على الألبان الخارجية، دون لبن الأم. وذلك مأخوذ من الجدول الآتي : مقارنة بين اللبن الإنساني ولبن الأبقار
م مكونات اللبن اللبن الإنساني لبن الأبقار 1 ماء 88 88 بروتين 1.5 3.5
- لاكتالبيومين 60% 15% كازين 40% 85% 3 سكر 7% 4% 4 دهن 3.5 4 معادن 0.25 0.7 - 0.75 - كالسيوم 33 122 - فسفور 15 90 - حديد 0.15 ملجم 0.1 - صوديوم 15 50 - كلور 43 100 - ماغنيسوم 4 13 - بوتاسيوم 55 138
[ ص: 75 ]
م مكونات اللبن اللبن الإنساني لبن الأبقار فيتامينات / 100 سم3 - أ 150 وحدة 100 وحدة - د 2- 10 وحدة 1.3 -3 وحدة - ج 4.2 وحدة 1.8 وحدة - ب1 0.01 وحدة 0.04 وحدة - ب2 0.04 وحدة 0.17 وحدة - ب6 0.02 وحدة 0.1 وحدة
ثانيا: من الناحية المالية
إن اللجوء إلى الألبان الخارجية - دون ضرورة تدعو إليها - إسراف الإسلام، بصرف النظر عما إذا كان المشتري قادرا على الشراء دون مشقة، أو كان يحتاج إلى ثمن الألبان الخارجية في إشباع حاجة من حاجاته الأخرى الضرورية، كالمأكل، أو الملبس له، أو لأسرته. فالشخص القادر من الأفضل له أن يتصدق بمبلغ من المال، أو ينفق هـذا المبلغ في أي وجه من وجوه البر، بدلا من أن يشتري ألبانا خارجية ليست مفيدة للطفل كلبن أمه، وهو بذلك يستبدل الغث بالثمين، ويغذي طفله على خـلاف ما أمر الله به، وبغير اللبن الذي أجراه الله في ثدي الأم، ليكون غذاء [ ص: 76 ] للطفل، ورزقا له. ويلاحظ أن الألبان الجافة، في بلداننا العربية وفي البلاد النامية كافة، يتم استيرادها من البلاد الأجنبية التي تسعى إلى تحقيق أقصي ربح ممكن، إذ وجد أن الألبان المسـتوردة تباع بما يـوازي 400 % من تكلفة صناعـتها، مما يشكل عبئا اقتصاديا على كثير من الأسر، ويصبح من الإسراف الاعتماد عليها في إرضاع الطفل، بدلا عن لبن الأم.
وكفانا زجرا عن التبذير أن الله تعالى وصف المبذرين بأنهم: ( إخوان الشياطين ) ، وبين أنه لا يحبهم، ونهى تعالى عن الإسراف، وذم المسرفين، في كثير من الآيات القرآنية،
ومن ذلك قوله تعالى: ( وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) (الأنعام:141) .
( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) (الأعراف:31) .
( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) (الفرقان:67) .
( وأن المسرفين هـم أصحاب النار ) (غافر:43) .
والإسراف لغة: مجاوزة القصد والاعتدال، وأكثر ما يستعمل الإسراف في إنفاق المال؛ وقال ابن الأعرابي : السرف تجاوز ما حد لك ، [ ص: 77 ] وقال شمر : سرف المال ما ذهب منه من غير منفعة . والمقصود من قوله تعالى: ( إنه لا يحب المسرفين ) الزجر، لأن كل مكلف لا يحبه الله تعالى فهو من أهل النار، والدليل على ذلك
قوله تعالى: ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم ) (المائدة:18) . فدل هـذا على أن كل من أحبه الله فهو ليس من أهل النار، وذلك يفيد من بعض الوجوه أن من لم يحبه الله فهو من أهل النار.
كما أن قوله تعالى: ( إنه لا يحب المسرفين ) (الأنعام:141) نهاية التهديد؛ لأن كل من لا يحبه الله تعالى، يبقى محروما من الثواب؛ لأن معنى محبة الله تعالى للعبد إيصال الثواب إليه، فعدم هـذه المحبة عبارة عن عدم حصول الثواب. ومتى لم يحصل الثواب فقد حصل العقاب، لانعقاد الإجماع على أنه ليس في الوجود مكلف لا يثاب ولا يعاقب. والتبذير هـو وضع المال فيما لا ينبغي، فهو مبذر، وهم مبذرون، وقال تعالى عنهم: ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) (الإسراء:27) . و المراد من هـذه الأخوة، التشبه بهم في هـذا الفعل القبيح؛ وذلك لأن العرب يسمون الملازم للشيء أخا له، فيقولون: فلان أخ الكرم و الجود، وقيل قوله تعالى: ( إخوان الشياطين ) أي قرناؤهم في الدنيا والآخرة. فالمسرفون والمبذرون إخوان الشياطين؛ لأنهم يخالفون أوامر الله سبحانه وتعالى ، ويطيعون وسوسة الشيطان التي تسول لهم إتيان المخالفات واجتناب الخير. [ ص: 78 ]
- الرضاعة الطبيعية من الناحية الأسرية
يلاحظ أن قيام الأم بإرضاع طفلها بلبنها، وعدم اعتمادها على الألبان الخارجية، كثيرا ما يؤدي إلى رأب الصدع عند وجود خلافات بين الزوجين، إذ إن الرضاعة الطبيعية تدعو إلى تمسك المرأة ببيتها، وارتباطها بطفلها، ومن المشاهد عند حدوث خلافات بين الزوجين، وتمسـك كل منهما برأيه، أن يتنازل أحدهما أو كلاهما -لمصلحة الطفل- عن هـذه الخلافات، ويتسامح مع الطرف الآخر، فالأب قد يغفر ما قد يكون حدث منها، أو ما يعتقد أنه خطأ، نظير بقاء الأم مع طفلها ترضعه وترعاه، ويهيئ لها الجو النفسي المناسب، حتى لا يضار الطفل عند رضاعه منها وقت شدة انفعالها وحزنها، وكذلك الأم قد تتحمل، أو تغفر سوء معاملته مع مراعاة لصالح الطفل، وعدم حرمانه من عاطفة الأبوة التي يحتاجها، كما يحتاج عاطفة الأمومة.
وكثيرا ما يؤدى وجود طفل لدى الوالدين -وبخاصة إذا كان رضيعا- إلى حل الخلافات بينهما، أما إذا كان يتم اللجوء إلى الرضاعة الصناعية، فإن الأم تفكر أحيانا في ترك المنـزل للأب، وترك الطفل أيضا، حتى تشغله عن عمله، وتجعله يحس بفضلها، وبمجهودها الذي تقوم به في البيت، ونحو الطفل أيضا، وتظن أن الطفل لن يتعرض للأذى؛ لأن الرضعة الصناعية من الممكن أن يقوم بها أي شخص، فالمقصود بالضرر هـو الأب وليس الطفل، إنما الضرر في الحقيقة يصيب الجميع، الأب والأم والطفل. [ ص: 79 ] ونقول لمن يترك الرضاعة الطبيعية، ويعرض عنها إلى الرضاعة الصناعية: أنه يترك عطاء الله إلى ما دونه، وهو كمن يجحد نعـمة الله، ولا يعترف بفـضله وكرمه، ولا يشـعر بأهمية عطاء الله الذي يمنحه دون أجر، ودون مقابل، وهو كمن قال الله عنهم: ( أفبنعمة الله يجحدون ) (النحل:71) .