الأم أنسب من يقوم بالرضاعة
خلق الله سبحانه وتعالى الذكر والأنثى، وحث كلا منهما على السعي نحو الارتباط بالطرف الآخر بعلاقة شرعية يكون فيها التعاون والتآلف والسكينة، وليس هـناك تحديد أو تقسيم للأعمال التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة، إلا في الأمور التي تحتاج ممارستها إلى استعداد [ ص: 63 ] وتكوين طبيعي لا يتوفر للطرف الآخر.. فالحمل مثلا من الأمور التي اختص الله بها المرأة بحكم تكوينها الطبيعي الذي أراده سبحانه لها، وكذلك الحال فيما يتعلق بالرضاعة الطبيعية.. إنما يجب أن يكون معلوما أن عملية الإرضاع ليست مجرد إدخال الطعام -أي طعام- في فم الطفل، بل إن الرضاعة لكي تتم كما ينبغي، يجب أن تكون من الطعام الذي وهبه الله للطفل، وبالطريقة الحانية المناسبة التي توفر للطفل الهدوء النفسي والراحة، والتي تجعله يستفيد من الطعام الذي تناوله.
فالأم هـي خير من يقوم بهذا العمل، فهي التي منحها الله طعام الطفل لكي تعطيه إياه، وهي التي وهبها الله العاطفة الحانية العطوفة التي تسمى «عاطفة الأمومة» التي تجعل الأم تصبر على طفلها إذا بكى، وإذا مـرض أو إذا ضايقها في وقت كانت تستمتع فيه بشي من الهدوء أو أيقظها من نوم كانت فيه في سبات عميق، والكل يشهد أن الأم، مجرد بكاء طفلها بجانبها، يجعلها تستيقظ مباشرة قبل غيرها، بحكم عاطفتها التي خلقها الله بها، وبحكم ارتباطه بها وارتباطها به، الذي دام تسعة أشهر واستمر بعد ذلك بالرضاعـة وبالمعاملـة الطيبة معظم أوقات الليل والنهار.. فلا غنى عن الأم لإتمام الرضاعة كما يريدها الله سبحانه وتعالى ؛ لأنها بحكم استعدادها الطبيعي لإمداد الطفل بالطعام، وبالحنان، والحب، تكون أقدر من الأب أو غيره على رعاية الطفل وتولي أموره في فترة طفولته.
فقد يكون من المصلحة أحيانا ترك الطفل يبكي قليلا وعدم إسكاته بوضع «البيبيرونا» أو «البزازة» في فمه أو إعطائه الرضعة قبل وقتها [ ص: 64 ] بهدف كفه عن البكاء رغم ما قد يؤدي إليه ذلك من ضرر له؛ لأن إعطاءه رضعة قبل استكمال هـضم الرضعة السابقة يؤدي إلى اختلاط رضعتين، إحداهما نصف مهضومـة والأخرى تحتاج إلى هـضـم كامل، مما يحدث اضطرابات للطفل. فمن يعمل لمصلحة الطفل قد يصبر على بكائه قليلا، أو يحاول أن يشغل الطفل بحمله أو ملاعبته حتى يحين موعد رضاعته، أو يزول ما كان يضايقه، أما من يقوم برعاية الطفل، لمجرد تأدية واجب، قد لا يكون لديه الوازع الديني والضمير الذي يدعوه إلى العناية الكافية بالطفل فيعطي الأولية لراحته ولو على حسـاب راحة الطفل وصحـته، ومحاولة تنويـم الطفل أو إسكاته ليتفرغ هـو لمشاغله.
وقد أشار ابن قيم الجوزية إلى بعض فوائد بكاء الطفل، في قوله: «ولا ينبغي أن يشق على الأبوين بكاء الطفل وصراخه، ولا سيما لشربه اللبن إذا جاع، فإنه ينتفع بذلك البكاء انتفاعا عظيما، فأنه يروض أعضاءه، ويوسع أمعاءه، ويفسح صدره، ويسخن دماغه، ويحمي مزاجه، ويثير حرارته الغريزية، ويحرك الطبيعة لدفع ما فيها من الفضول، ويدفع فضلات الدماغ من المخاط، وغيره».. والأم بتوليها مسئولية تربية ورضاع طفلها، تكتسب تجارب وخبرات، تجعلها فيما بعد أكثر خبرة ومهارة في ذلك... ومن الأهمية بمكان، التزام كل جنس بطبيعته التي خلقه الله عليها؛ لأنه بذلك يلتزم بالنظام الذي أعده الله للكون، فقد خلق الله الذكر بطباع وصفات معينة، وخلق الأنثى أيضا بطباع وصفات خاصة بها. [ ص: 65 ]
ومن كرم الله تعالى وعنايته بكل من الأم والطفل، أنه لم يخلق للأم ثديا واحدا، بل ثديين ليكفل للطفل القدر الكافي من الطعام، وليكون الثدي الآخر مصدرا لطعامه، إذا أصاب أحد الثديين عارض يمنعه من أداء وظيفته في إرضاع الطفل، كما أن في ذلك أيضا راحة للأم و الطفل، إذ إن الاستمرار في إرضاع الطفل على وضع واحد، قد يصيب الاثنيـن بالتعب أو الألـم، فالنقل إلى الثدي الآخر يؤدي إلى الإحساس بالراحة، ويساعد على إتمام عملية الرضاعة، في يسر وسهولة.
فلا ينبغي، بعد كل هـذه النعم التي خلقها الله لنا، والوسائل التي تكفل الراحة و الخير، أن نتركها لنلجأ إلى شيء بديل صناعي، يشهد العلماء والباحثون والأطباء بأنه لا يرقى أبدا إلى نفس القيمة الغذائية التي للبن الطبيعي، والتواؤم الكامل مع الحاجات البدنية والنفسية للطفل علاوة على الفوائد العديدة الأخرى التي سبق أن أشرنا إليها، وتلك التي قد يكتشفها العلماء مستقبلا.
فرعاية الطفل والعناية به، تحتاج إلى تعاون بين الوالدين على إتمام هـذه المرحلة الهامة من عمره، وقد كثرت في الآونة الأخيرة النصائح التي ترد في الكتب والمجلات الطبية والعلمية، تدعو الأم إلى أهمية الرضاعة، وعدم الاعتماد على مصادر أخرى خارجية، وتدعو الأب إلى محاولة معاونـة الأم، لتوفير ما تحتاجـه، لتتفرغ لمهمـة العناية بالطفل، وتربيته، إلى غير ذلك من النصائح التي أشرنا، وسنشير إلى غيرها أيضا. [ ص: 66 ]