الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الحوار (الذات .. والآخر)

عبد الستار إبراهيم الهيتي

القواعد العامة للحوار

هناك قواعد عامة للحوار يجب الحفاظ عليها، وهي:

القاعدة الأولى: اعتماد العقل والمنطق

ويعني ذلك أن يلتزم أطراف الحوار بالطرق المنطقية السليمة أثناء المحاورة، ويمكن أن نحدد معالم هـذا الالتزام بما يلي:



[1]

1- تقديم الأدلة المثبتة أو المرجحة لكل فرضية أو دعوى يقدمها المحاور.

2- صحة النقل للنصوص المنقولة والمروية.

ومن هـنا أخذ علماء آداب البحث والمناظرة قاعدتهم المشهورة التي يقولون فيها: [ ص: 57 ] إن كنت ناقلا فالصحة، أو مدعيا فالدليل.



[2]

وقد وردت الإشارة إلى مضمون هـذه القاعدة في كثير من الآيات القرآنية التي تطالب الطرف (الآخر) بتقديم البراهين والحجج المنطقية،

منها قولـه تعالى: ( أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هـاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) (النمل:64) ،

وقوله تعالى: ( قل هـاتوا برهانكم هـذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون ) (الأنبياء:24) .

ففي هـذه النصوص يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يطالب المشركين بتقديم براهينهم وأدلتهم على ما يقدمون من دعاوى إن كانوا على يقين من الأمور التي يعتقدونها:

( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هـودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هـاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) (البقرة:111) .

وهكذا نجد أن المحاورة في القرآن الكريـم تعتمد على العقل والمنطق، ولا تتأثر بأي عامل أو مؤثر خارجي كالنبوة والرسالة والوحي.. ولا شك أن الحوار الذي يعتمد على الحجة الواضحة والدليل المنطقي القوي سيؤدي في النهاية إلى الحرية في التفكير، والتخلص من التعصب والانحياز، فنحن نرى أن إبراهيم عليه السلام في حواره مع الله عز وجل يتقدم للمحاورة وكأنه متجرد [ ص: 58 ] من النبوة، بل من الإيمان:

( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) (البقرة:260)

فإبراهيم في هـذه المحاورة يريد التحاور ضمن قواعد العقل والمنطق، ويرفض وجود أي مؤثر في المحاورة غير العقل.

ومن هـنا فإنه لا بد أن يتسم الحوار بطابع الاعتماد على العقل وتطبيق المقدمات المنطقية السليمة، سـواء ما يتعلق بتقديم الفكرة والتدليل عليها، أو ما يتعلق بقبول ما يطرحه الطرف الآخر مادام أنه قد وصل إليها بالمنطق السليم والحجة القوية.

القاعدة الثانية: عدم التناقض

وتفيد هـذه القاعـدة : أن لا يكون في الدعوى أو في الدليل الذي يقدمه المحاور تعارض واضـح، أو أن يكون بعض كلامه ينقض بعضه الآخر، فإذا كان كذلك كان كلامـه ساقطا وفكرته لاغية، ذلك أن التناقض في الأفـكار يجعل المحاور صـيدا سهلا لغريمه ومحاوره، بحيث يدينه من خلال طروحـاته المتناقضـة وأفـكاره المتباينة دونما حاجة إلى عناء ومشقة.

ومن أمثلة التناقض في الدعوى ما حكاه القرآن الكريم على لسان الكافرين في قولهم عن الآيات بأنها سحر مستمر:

( اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) (القمر:1-2) [ ص: 59 ] ففي قولهم هـذا تعارض وتناقض واضح لا يستحق ردا ولا يحتاج مناقشة، فهو ساقط علميا؛ لأن من شأن الأمور المستمرة أن لا تكون سحرا، أما أن يكون الشيء سحرا ومستمرا معا في وقت واحد فذلك جمع بين متضادين لا يجتمعان.. ومثل ذلك أيضا قول فرعون عن موسى عليه السلام حينما جاء بالحجج الدامغة والآيات الباهرة بأنه:

( ساحر أو مجنون ) وذلك في قولـه تعالى: ( وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون ) (الذاريات:38-39)

وهذان أمران متناقضان، إذ من غير المقبول منطقيا أن يكون الشخص الواحد مترددا بين كونه ساحرا وكونه مجنونا؛ لأن من شأن الساحر أن يكون كثير الفطنة والذكاء والدهاء، وهو أمر يتنافى مع الجنون الذي من شأنه الغفلة وعدم الإدراك.

إن التناقض في الفكرة، والتباين في طرحها، يجعل كلام المحاور متهافتا لا يلتفت إليه، ولايستحق صاحبه إجابة؛ لأنه متهرب من منطق الحق بعيد عن الموضوعية العلمية.

القاعدة الثالثة: إنصاف المحاور

ويقصد به: المحافظة على حق الطرف الآخر وإنصافه من كل وجه، بغض النظر عن صفة المحاور أو مركزه العلمي والاجتماعي؛ لأن الأمر المهم في الحوار هـو إبراز حق الخصم وإنصافه حتى لا تنقلب المحاورة إلى مكابرة.. ويمكن تحديد النواحي التي يجب أن تراعى مع الطرف الآخر بما يلي: [ ص: 60 ] 1- التجرد من المؤثرات الجانبية، عقائدية كانت أو ذاتية

مثال ذلك أن يحاور مؤمن كافرا في إثبات وجود الله، فلو قال المؤمن للكافر: أنا مؤمن بوجود الله ثم ذكر فكرة أخرى مبنية عليها، فهذه ليست محاورة، بل هـي إلزام للخصم، أو هـي محاورة فاشلة؛ لأنه ابتدأ الحوار معه بناء على مؤثرات عقائدية خاصة به ولم يتجرد عن ثوابته التي يؤمن بها، والأصل في المحاور أن يكون متجردا عن المؤثرات لضمان إنصاف الطرف (الآخر) ، ذلك أن المحاورة المنطقية السـليمة تقتضي أن يتجرد كل من الطرفين أثناء المحاورة، افتراضا، من عقيدته ومن انتمائه وأي شيء يؤثر على حياده فيما يتعلق بموضوع المحاورة، وفي هـذا يقول الشعراني : إن احتاج إنسان إلى رد خصم ينكر الشرائع وجب علينا تجـريد النظر في رد مذهبه، لكن بالأمور العقلية لا بالشـرع، فإن الشرع هـو محل النـزاع بيننا وبينه.



[3] وهذا يعني أن الخصم في هـذا الموقـف لا يؤيد مفهوم: قال الله، وقال الرسـول؛ لأنه غير مقتنع بها، فيحـتاج إلى محاورة ومناظرة وإقناع بالعقل في المسائل المتنازع عليها.

2 - حماية الخصـم أثناء المحاورة: ذلك أن طرفـي المحاورة قد اتفقا ولو ضمنا، على افتراض تجردهما من العقـيدة والانتمـاء، وهذا يقتضي أن لا يوصف أحدهما بأنه مخطئ أو مصيب إلا بانتهاء المحاورة، فالإساءة إلى أي [ ص: 61 ] طرف قبل انتهاء الـحوار ظلم له وتجـاوز على أفـكاره وطروحاته، بحيث يكون أسـلوب المحاورة قائـما على الإقـناع ثـم الإلزام دون إهانة للخصم.



[4]

3 - المساواة بين الطرفين:

وهي درجة أعلى من مجرد حماية أطراف الحوار؛ لأن إشعار المحاور بمساواته مع خصمه صفة تبعث في نفسه الطمأنينة وتدفعه لمزاولة الحوار بدرجة عالية من الثقة بالنفس.

إن المتتبع للحوارات القرآنية يتلمس فيها المساواة بين طرفي الحوار، فعلى الرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم على حق، وأن مناظريه على الباطل إلا أن الله تعالى يوجهه إلى افتراض أنه لا يعلم أيهما على الهدى، وأيهما في الضلال، أهو أم هـم؟:

( قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هـو في ضلال مبين ) (القصص:85) ..

وفي موقف آخر يصرح القرآن الكريم بالمساواة لطرفي الحوار حتى ولو كان ذلك بين فريقين مختلفين في الفكر والعقيدة،

فيقول الله تعالى: ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) (آل عمران:64)

فهذه الآية تقدم دعوة لأن يكون طرفا الحوار على درجة واحدة من المساواة لا يتميز أحدهما عن الآخر ( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) . [ ص: 62 ]

القاعدة الرابعة: تحديد الغاية وتوضيحها

من قواعد الحـوار الأسـاسية إبراز الهدف الذي تدور حوله المحاورة، مع التركيزعلى أن تكون الغاية واضحة والهدف محددا ومقبولا من النفوس والمشاعر بعد اجتيازه مرحلة القبول العقلي، ومن أمثلة ذلك ما جرى في محاورة إبراهيم عليه السلام مع المشركين من عبدة الكواكب، وتدرجه العقلي والنفسي معهم حتى وصل إلى تقمصه عبادة الشمس معهم:

( فلما رأى الشمس بازغة قال هـذا ربي هـذا أكبر ) ليصل بهم إلى النتيجة بعد أن انتزع اعترافهم بأن الإله لا يغيب ولا ينبغي أن يغيب، ومن هـنا برزت النتيجة: ( فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) (الأنعام:78-79) ..

وهكذا ركـز إبراهيم على النتيجة من خلال هـذه الكلمات الموجزة التي راعى فيها جملة من النواحي، أبرزها



[5] :

1- المحافظة على صلته بالخصوم وتقريبهم إليه بقوله: ( يا قوم ) أملا في كسب إيمانهم. [ ص: 63 ] 3- تقديم البديل الصحيح الذي يجب أن يتجهوا إليه وهو الإيمان بالله: ( إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ) .

كل هـذه المفاهيم التي أراد إبراهيم عليه السلام توضيحها كانت منصبة على تحديد الغاية وإبراز الهدف من هـذا الحوار، وهو إثبات وحدانية الله تعالى وإبطال ما عداه من الآلهة، وقد سلك في سبيل تحقيقها كل الوسـائل الممكنة لجعلها في غاية الوضوح عن طريق المحاورة التي لا تقصد هـدفا شخصيا ولا مصلحة ذاتية وإنما تهدف إلى إصلاح العقيدة وتثبيتها في النفوس.

القاعدة الخامسة: خلق الأجواء الهادئة للتفكير السليم

إن من أشد الأمور ضرورة للوصول بالحوار إلى هـدفه وتحقيقه لغاياته، توفر الأجواء الهادئة للتفكير الصحيح، الذي يمثل فيه الإنسان نفسه وفكره، والابتعاد عن الأجواء الانفعالية التي تبعد الإنسان عن الوقوف مع نفسه وقفة تأمل وتفكير؛ لأن الانخراط في محيط الأجواء الانفعالية يفقد المحاور اسـتقلاله الفـكري وشخصـيته المميزة، فيبتعد رويدا رويدا عن الحقيقة، أما الفكر الهادئ الواعي فإنه يضع القضية في موقعها الطبيعي لينتهي بالإقرار بنتيجة المحاورة، سلبا أو إيجابا.

لقد دعا القرآن الكريم إلى التجـرد عن الأجواء الانفعالية في حال أردنا أن نتبنى فكرة أو نرفضها، أو ننسجم مع موقف أو نبتعد عنه، حيث نقل القرآن أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في الحوار مع خصوم العقيدة -عندما واجهوه بتهمة الجنون [ ص: 64 ] فقال تعالى: ( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هـو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) (سبأ:46) .

فقد اعتبر القرآن موضوع الاتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بالجنون خاضعا للجو الانفعالي الذي كان يسيطر على التجمع العدائي لخصومه آنذاك، مما يجعلهم لا يملكون أفكارهم ولا يستطيعون أن يزنوا بها صحة القضايا وفسادها، ولذلك دعاهم إلى الانفصال عن هـذا الجو المحموم بأن يتفرقوا مثنى وفرادى في موقف تفكير وتأمل ليصلوا إلى النتيجة الحاسمة، حيث إن التفكير الهادئ سوف يعيد الأمور إلى نصابها ويرفض تلك التهمة جملة وتفصيلا، لينتهي بالإقرار بأنه رسول الله إلى الناس. [6]

والواقع أننا نجد هـذه الأجواء الانفعالية في أكثر من مناسبة عندما يكون الأمر متعلقا بالصراع الذي يخوضه الإسلام مع أعدائه، حيث يتم إطلاق الاتهامات بلا حساب ولا روية، ويرفض الطرف (الآخر) الجلوس للحوار، وأبرز دليل على ذلك ما يجـري هـذه الأيام من اتـهام لبعـض الـدول أو الجماعات الإسلامية واعتبارها مسئولة عن تنفيذ جملة من أعمال العنف من دون تقديم دليل مقنع على تلك الاتهامات.

فنحن نرى أنه في ظل هـذه الأجواء الانفعالية المشحونة ترفض الدول الغربية مجرد إبداء الرأي أو سماع الطرف (الآخر) ، فضلا عن الدخول معه [ ص: 65 ] في حوار هـادئ للوقوف على حقيقة الأمور والبحث عن حلول أو معالجات منطقية لها.

إن الأجواء الانفعالية والمشحونة تجاه الإسلام تأخذ اليوم أشكالا متعددة وصيغا مختلفة لتأليب الناس على هـذا الدين وأحكامه، ومن الأمثلة على ذلك ما يفعلونه في تصويرهم القانون الإسلامي بقطع يد السارق بأنه من الأساليب الوحشية التي لا تنسجم مع قوانين العصر الحديث، الذي يحاول معالجة الجريمة بالطرق المعتمدة على أساس قواعد علم النفس والاجتماع بعيدا عن جانب العنف والقسوة، وهكذا ينطلقون من أجواء انفعالية وعاطفية، ويتناسون أن التجارب المعاصرة الكثيرة لم تستطع أن تحقق أية نتيجة ملموسة في هـذا المجال، في حين أن حكم الإسلام بقطع يد السارق كان عاملا مهما من عوامل منع السرقة في المجتمعات الإسلامية وأمن الناس على أموالهم وممتلكاتهم.

وقد نجد تلك الأجواء الانفعالية عند معالجة عدد من القضايا الإسلامية كقضية الطلاق، وتعدد الزوجات، وقضية الحجاب والسفور حيث يتم الحوار فيها وفقا لما تمليه العاطفة والرغبات الشهوانية دون الالتفات إلى الإيجابيات التي يرمي الإسلام إلى تحقيقها في تشريعاته وأحكامه، مما لا يدع مجالا للمحاور الإسلامي أن يبدي رأيه ويبين وجهة نظره في توضيح المفاهيم الشرعـية التي تتعلق بمجمل القضايا المطروحة، الأمر الذي يؤدي إلى طغيان الجو الانفعالي المحموم على الأجواء الهادئة التي تتيح التفكير السليم والحوار العلمي البناء. [ ص: 66 ]

القاعدة السادسة: إعداد خطة علمية للحوار

ويعني ذلك: وجود ضوابط نظامية تحكم عملية الحوار، وتنأى به عن أن يكون ارتجالا واعتباطا، خاصة إذا كان ذلك الحوار بين مدرستين فكريتين، أواتجاهين علميين.. والقيام بإعداد خطة علمية يقتضي اللجوء إلى أربع خطوات هـي: تحديد الموضوع، وتحديد المفاهيم، وتحديد الهدف، وتحديد الآليات، وسنتكلم عن كل خطوة منها بإيجاز



[7] : 1 - تحديد الموضوع لا بد من تحديد موضوع الحوار قبل بدء عملية التحاور؛ لأن موضوع الحوار هـو جوهر العملية برمتها، وإذا ما جرى الاتفاق على ذلك كان الحوار معلوما وواضحا للأطراف المشاركة فيه، وسواء كان موضوع الحوار قديما أو معاصرا فإن تحديده عامل أساس من عوامل نجاح المحاورة؛ لأن تحرير محل النزاع يضمـن عدم تحول الحوار إلى نوع من اللجاج، كما أنه يضمن عدم بعثرة الأفكار وضياعها بسبب ضبابية الفكرة وعدم وضوحها، إضافة إلى أن عدم تحديد الموضوع لا يتيح فرصة للحكم عليه، فالقاعدة تقول: «الحكم على الشيء فرع عن تصوره» فلا يمكن إصدار حكم في مسألة معينة بدون تحديد عناصرها وملامحها الأساسية. [ ص: 67 ]

2- تحديد المفاهيم يتطلب الحوار الاتفاق على معاني المصطلحات والمفاهيم التي سوف يتم استخدامها في المحاورة؛ لأنه إذا أصبحت المصطلحات محل نزاع وخلاف بين المتحاورين فهذا يعني أن مهمتهم تزداد عناء ومشقة ولا يستطيعون مواصلة مشوار الحوار، بل ربما يتوقفون عنه في منتصف الطريق، لاختلافهم في تفسير المصطلحات والمفاهيم التي يتداولونها. 3 - تحديد الهدف والمقصود بالهدف: هـو الغاية التي يريد الطرفان الوصول إليها من وراء عملية التحاور، وإذا ما كان الحوار صادقا ونافعا فلا بد أن يحدد له هـدف يمكن الإشارة إليه صراحة، ويمكن الإشارة إليه ضمنا، ومهما يكن من أمر فإن أهداف الحوار لا تخرج عن الغايات التالية:

1- الوصول إلى تفسير متفق عليه حول موضوع المحاورة.

2- الرغبة في تخطي حالة العقم الفكري، الذي يعني: «تجاوز ثقافة البعد الواحد ورفض الانسياق وراء المذهب المتسلط السائد».

3- الرغبة في تخطي حالة الانغلاق الفكري، الذي يعني: «تجاوز التعصب المذهبي أو الفكري أو السياسي أو الاجتماعي». 4- تحديد الآليات والمقصود بالآليات: مجمل الإجراءات التنظيمية التي تساعد على بلوغ الحوار إلى مسعاه النهائي، وهذه الإجراءات والأدوات يجب أن تكون واضحة ومحددة من خلال الآتي : [ ص: 68 ] 1- ضرورة التأكد من صحة المعلومات المعروضة في الحوار.

2- ضرورة مناقشة القضايا دون أن يكـون في الذهن قرار مسـبق أو حكم ثابت أو موقف صارم.

3- ضرورة الاستئناس بذوي الخبرة والمختصين الذين لهم علاقة بالموضوع المطروح للمناقشة.

4- استخدام المناهج العلمية والمنطقية أثناء الحوار من خلال التفكير والتحليل والاستنباط ليكون الحوار عقلانيا ورشيدا.

5- ترتيب عناصر الحوار خطوة خطوة، ابتداء بالمبادئ الجزئية وصولا إلى الكليات والنتائج الكبرى، التي هـي هـدف الحوار وغايته.

وتأسيسا على ما تقدم نقول: إن مقومات الحوار تتطلب توفر أركانه متمثلة بالطرفين المتحاورين، والقضية التي يجري الحوار بشأنها.. وقد بينا في هـذا المبحث الشروط والضوابط التي يجب أن تتوفر في كل ركن من هـذه الأركان.. كما أن مقومات الحوار تتطلب جملة من القواعد والأسس التي تتعلق بالعملية الحوارية من خلال اعتمادها على العقل والمنطق، وعدم التناقض في المقدمات والأدلة، وإنصاف الخصم وحمايته، وتحديد الغاية والهدف، وتوفير الأجواء الهادئة والمناسبة للتفكير السليم، وإعداد خطة علمية مبرمجة للشكل والمضمون، وبهذا نضمن حوارا علميا ومنطقيا يعتمد الحجة والدليل، ويقدم الفكرة بعقلية مرنة وأسلوب واضح، بعيدا عن الأهواء والشهوات. [ ص: 69 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية