يعرف علم الجبر بأنه: إضافة شيء إلى كمية معلومة أو ضربه بها؛ حتى يصير أحدهما مساويا للآخر. ومن هـذا التعريف يتضح أن القصد منه هـو العمليتان الجبريتان التاليتان: [ ص: 41 ] م + س = ب
م س = ب
وانتشر تطبيق هـاتين العمليتين فصارتا تعنيان موضوع الجبر كله [1] . وهو ذلك الفرع من التحليل الرياضى الذي يناقش الكميات باستخدام حروف ورموز عامة.
ويعرف الجبر في القاموس الرياضى بأنه: تعميم لعلم الحساب؛ أي أن الحقائق الحسابية مثل: 3 + 3 + 3 = 3 × 3، 4 + 4 + 4 + 4 + 4 = 5 × 4... إلخ، وكلها حالات خاصة من الحالات العامة الجبرية مثل: س + س + س + س = 4 س حيث: س، هـي أي عدد [2] .
ويبتدئ الخوارزمي كتابه: الجبر والمقابلة، ببيان الغاية والهدف من علم الجبر، ومدى نفعـه للناس فيما يحـتاجون إليه من الحساب، فيقول: «إني لما نظرت فيما يحتاج إليه الناس من الحساب وجدت جميع ذلك عددا، ووجدت جميع الأعداد إنما تركبت من الواحد، والواحد داخل في جميع الأعداد. ووجدت جميع ما يلفظ به من الأعداد ما جاوز الواحد إلى العشرة يخرج مخرج الواحد، ثم تثنى العشرة وتثلث، كما فعل بالواحد، فيكون منها العشرون والثلاثون إلى تمام المائة. ثم تثنى المائة وتثلث، كما فعل بالواحد وبالعشرة إلى الألف، ثم كذلك تردد الألف عند كل عقد إلى غاية المدرك من العدد» [3] . [ ص: 42 ] ويقرر الخوارزمي في كتابه قاعدة مهمة من قواعد البحث العلمي، وهي قاعدة اتصال العلماء على مر العصور: «فلم يزل العلماء في الأزمنة الخالية والأمم الماضية يكتبون الكتب مما يصنفون من صنوف العلم ووجوه الحكمة؛ نظرا لمن بعدهم واحتسابا للأجر بقدر الطاقة» [4] .
ويصنف الخوارزمي العلماء والباحثين -كل في تخصصه- إلى ثلاثة أصناف، لا يخرج أي باحث علمي عن أحدهم، وهم: «إما رجـل سبق إلى ما لم يكن مستخرجا قبله فورثه من بعده. وإما رجل شرح مما أبقى الأولون ما كان مستغلقا، فأوضح طريقه، وسهل مسلكه، وقرب مأخذه. وإما رجل وجد في بعض الكتب خللا فلم شعثه، وأقام أوده، وأحسن الظن بصاحبه غير راد عليه ولا مفتخر بذلك من فعل نفسه» [5] .
وبهذا يكون الخوارزمي -من خلال مقدمته الموجزة لكتاب الجبر والمقابلة- قد وضع فلسفة التأليف العلمي في عصره بكل جلاء ووضوح، وبين ملامح الشخصية العلمية في عصر النهضة الإسلامية، متمثلة في التحلي بأنبل الصفات، وضرب المثل الأعلى في حب العلم والمثابرة على البحث [ ص: 43 ] العلمي والترفع عن بعض الصغائر، والاجتهاد في كشف أسرار العلم، والتمسك بالأمانة العلمية عند النقد أو النقل [6] .
وهذه القواعد التي وضعها الخوارزمي إنما تنفي ما يتسرب إلى بعض الأذهان من أن العرب كانوا يكشفون من أسرار العلم بقدر ما تدعو إليه حاجتهم في حياتهم المعيشية. والحقيقة أن العرب كانوا يشتغلون إلى جانب ذلك بالبحث العميق وتحقيق قضايا العلم، بدافع الحب الحقيقي للعلم ذاته، ويكفي دليلا على ذلك أنهم ترجموا كتبا للفلسفة اليونانية وغيرها من مراجع العلم الأجنبي، وراجعوا هـذه الترجمات عدة مرات بقصد التثبت من أنها صورة دقيقة لما في مراجعها الأصلية، ثم قيامهم بتصحيح كثير من الآراء اليونانية وغيرها، ثم ابتكارهم كثيرا من الآراء والنظريات العلمية الجديدة التي لم تكن معروفة من قبل. فلقد جمع العرب إذن بين البحث العلمي لترقية حياتهم والارتفاع بمستواها، وبين كشف حقائق الوجود، ومعرفة أسرار الطبيعة [7] . ويعتبر الخوارزمي بمؤلفاته -خاصة كتاب: الجبر والمقابلة- من أوضح الأمثلة على ذلك.
لكن ما الدافع وراء ابتكار الخوارزمي لعلم الجبر؟
الواقع أن الذي دفع الخوارزمي إلى ذلك هـو علم الميراث المعروف بـ: علم الفرائض ، فأراد أن يبتدع طرقا جبرية تسهل هـذا العلم الشائك. وبذلك يكون الخوارزمي قد انطلق [ ص: 44 ] من شريعته الإسلامية واتخذها حافزا له -وهي هـكذا دائما- في تأليف «الكتاب المختصر في: حساب الجبر والمقابلة». ولقد أوضح الخوارزمي في كتابه هـذا أكثر المسائل المتعلقة بالجبر الحديث من معادلات وجذور وكسور... إلخ، بل وشرح ما يسمى بـ: لغة الرياضيات الحديثة، الجذر الذي يحتوي على كمية تخيلية (مستحيلة) مثل
قسم الخوارزمي الأعداد التي يحتاج إليها في حساب الجبر والمقابلة إلى ثلاثة ضروب وهي: جـذور، وأموال، وعـدد مفرد لا ينسب إلى جذور ولا إلى مال [9] .
والجذر يعني: «س»، والمال يعني: «س2»، والمفرد يعني الحد الخالي من: «س». يقول الخوارزمي : «واعلم أنك إذا نصفت الأجذار في هـذا الباب وضربتها في مثلها فكان مبلغ ذلك أقل من الدراهم التي مع المال، فالمسألة مستحيلة» [10] .
فهذا النص يشير إلى أن الخوارزمي قد تنبه إلى الحالة التي يكون فيها الجذر كمية تخيلية، بلغة الرياضيات الحديثة، فأشار إلى الحالة التي يستحيل فيها إيجاد قيمة حقيقية للمجهول، فقال: في هـذه الحالة تكون المسألة مستحيلة، أو تخيلية. [ ص: 45 ] فمن الأبواب التي يحتويها كتاب الجبر والمقابلة، باب الضرب، الذي يبين فيه كيفية ضرب الأعداد والأشياء والجذور بعضها في بعض. يقول الخوارزمي : « اعلم أنه لا بد لكل عدد يضرب في عدد من أن يضاعف أحد العددين بقدر ما في الآخر من الآحاد» [11] . وفيه باب الجمع والنقصان والقسمة، يعرض للعمليات الخاصة وقسمة المقادير الجبرية وطرحها وجمعها... «اعلم أن جذر مائتين إلا عشـرة مجموع إلى عشـرين إلا جذر مائتين فإنه عشرة سويا. وجذر مائتين إلا عشرة منقوص من عشرين إلا جذر مائتين فهو ثلاثون إلا جذري مائتين... وإن أردت أن تقسم جذر تسعة على جذر أربعة، فإنك تقسم تسعة على أربعة فيكون اثنين وربعا، فجذرها هـو ما يصيب الواحد، وهو واحد ونصف» [12] .
ثم باب: المسائل (المعادلات) الست، ثم باب: المسائل المختلفة، وهي تدور حول تكوين معادلات من الدرجة الثانية وكيفية حلها. وهذه المسائل قريبة الشبه جدا بما في كتب الجبر الحديثة. أما المعادلات التي قسمها الخوارزمي إلى ستة ضروب أو أقسام، فيمكن الإشارة إليها فيما يلي [13] :
1 - الأموال التي تعدل الجذور، ومثالها القول: مال يعدل خمسة أجذاره، فجذر المال خمسة، والمال خمسة وعشرون، وهو مثل خمسة أجذاره. [ ص: 46 ] 2 - الأموال التي تعدل العدد، ومثالها القول: مال يعدل تسعة فهو المال وجذره ثلاثة. وكالقول: خمسة أموال تعدل ثمانين فالمال الواحد خمس الثمانين، وهو ستة عشر.
3 - الجذور التي تعدل عددا، ومثالها القول: جذر يعدل ثلاثة من العدد، فالجذر ثلاثة، والمال الذي يكون منه تسعة.
4 - الأمـوال والجذور التي تعدل عددا، ومثالها القـول: مال وعشرة أجذار يعدل تسعة وثلاثين درهما، ومعناه: أي مال إذا زدت عليه مثل عشرة أجذار بلغ ذلك كله تسعة وثلاثين.
5 - الأموال والعدد التي تعدل جذورا، ومثالها القول: مال وأحد وعشرون من العدد يعدل عشرة أجذاره، ومعناه: أي مال إذا زدت عليه واحدا وعشرين درهما، كان ما اجتمع مثل عشرة أجذار ذلك العدد.
6 - الجذور والعدد التي تعدل الأموال، ومثالها القول: ثلاثة أجذار وأربعة من العدد تعدل مالا.
وهذه الضروب الستة من المعادلات يعبر عنها باللغة الجبرية الحديثة كما يلي:
1 - م س2 = ب س
2 - م س2 = جـ
3 - ب س = جـ
4 - م س2 + ب س = جـ [ ص: 47 ] 5 - م س2 + جـ = ب س
6 - ب س + جـ = م س2
ثم قدم الخوارزمي حلا لكل ضرب من هـذه الضروب الستة بذكر أمثلة توضيحية مفصلة خالية من استعمال الرمـوز، الأمر الذي تطلب منه جهدا كبيرا في حل مثل هـذه المسائل الجبرية. يقول الخوارزمي: «مالان وعشرة أجذار تعدل ثمانية وأربعين درهما» [14] . وهو يقدم طريقة الحل على هـذا النحو: «ومعناه، أي مالين إذا جمعا وزيد عليهما مثل عشرة أجذار أحدهما بلغ ذلك ثمانية وأربعين درهما. فينبغى أن ترد المالين إلى مـال واحد، وقد علمت أن مالا من مالين نصفهما، فاردد كل شيء في المسألة إلى نصفه، فكأنه قال: مال وخمسة أجذار يعدل أربعة وعشرين درهما. ومعناه: أي مال إذا زدت عليه خمسة أجذاره، بلغ ذلك أربعة وعشرين. فنصف الأجذار فتكن اثنين ونصفا، فاضربهما في مثلها فتكن ستة وربعا، فزدها على الأربعة والعشرين فتكن ثلاثين درهما وربعا، فخذ جذرها وهو خمسة ونصف فانقص منها نصف الأجذار؛ وهو اثنان ونصف يبق ثلاثة؛ وهو جذر المال، والمال تسعة» [15] .
توضح هـذه المسألة ما كان يعانيه الخوارزمي وغيره من علماء العرب والمسلمين في حل المعادلات الجبرية، ويتضح هـنا أيضا أهمية التعبير بالرموز [ ص: 48 ] في تبسيط العمليات الجبرية والرياضية وتسهيلها بصفة عامة. ويمكن تلمس ذلك من الإشارة إلى أن مثال الخوارزمي السابق يمكن حله بالرموز فيما يلي:
2س + 10س = 48
أي أن: س2 + 5س = 48
وبالإضافة إلى ما سبق فقد أوجد الخوارزمي الأحجام لبعض الأجسام الهندسية البسيطة كالهرم الثلاثي، والهرم الرباعي والمخروط. وكان حل [ ص: 49 ] المعادلات التكعيبية بواسطة مقطوع المخروط من أعظم الأمور التي أتى بها [18] .
والخوارزمي أيضا هـو أول من وضع كتابا في: الحساب، وهو الأول من نوعه من حيث الترتيب والتبويب والمادة. وقد ترجمه إلى اللاتينية: «أولاردبات»، وبقى زمنا طويلا مرجع العلماء، وبقي عدة قرون معروفا باسم: «الغوريتمى»؛ نسبة إلى الخوارزمي [19] .
تلك كانت أهم إنجازات الخوارزمي الرياضية، وخاصة في علم الجبر الذي يعد هـو مبتكره الأول. وللوقوف على أهمية هـذه الإنجازات علينا أن نتتبع تأثيرها في الرياضيين اللاحقين لصاحبها، وأثرها في الآخر بصفة خاصة، وفي تاريخ علم الرياضيات بصفة عامة. ويمكن البحث في هـذا الموضوع تحت العنوان التالي: