الفصل الثاني
جابر بن حيان أنموذجا لعلم الكيمياء
1 - نشأة جابر وأثرها على توجهه العلمي:
إذا كانت المصادر العربية [1] لم تحدد تاريخ ميلاد جابر على وجه الدقة، فان ( هـولميارد ) الذي اهتم بدراسة جابر في كتابه: (الكيمياء إلى عصر دالتون) رجح أن حياته قد امتدت خلال الشطر الأكبر من القرن الثامن الميلادي [2] .
وهذا الشطر يقابله التاريخ الهجري (123-184هـ) تقريبا. ويؤيد ذلك رأي (النشار) القائل: بأنه من المحتمل أن جابرا قد توفي بعد عام 160 [3] .
وبناء على ذلك يصعب على تصديق رأي ( حاجي خليفة ) الزاعم بأنه جابرا قد تتلمذ على خالد بن يزيد بن معاوية ، إذ يقول: (أول من تكلم في علم الكيمياء ووضع فيها الكتب وبين صنعة الأكسير والميزان، ونظر في كتب الفلاسفة من أهل الإسلام خالد بن يزيد بن معاوية. وأول من اشتهر هـذا العلم عنه جابر بن حيان الصوفي من تلامذة خالد) [4] . وتأتي صعوبة قبول رأي [ ص: 61 ] (حاجي خليفة) هـذا من أن خالدا قد توفي عام 85هـ قبل أن يولد جابر بن حيان، وذلك على افتراض صحة ما رجحناه عن تاريخ ميلاد جابر ووفاته.
وقد نشأ جابر بن حيان في أسرة تشجع على العلم والبحث والدرس حيث كان أبوه حيان من المشتغلين بالعقاقير، وقد سافر مرة إلى طوس في مهمة سياسية سرية خاصة بالدعوة للعباسيين، الذين كانوا يعملون في طي الخفاء لإسقاط الأمويين. ولقد ورث جابر من أبيه هـذين الاهتمامين، فبدأ بالبحث، ونجح في الفوز بصداقة مجموعة من العلماء في ذلك العصر الذي ماج بالأحداث السياسية التي عصفت بالأمويين وأتت بالعباسيين. وعندما آل الأمر للعباسيين كان جابر قد ظفر بصداقة جعفر الصادق ، وتتلمذ على يديه، فكان ذلك، وسابق خدمة أبيه للدعوة العباسية من العوامل التي جعلت لجابر مكانة في بلاط الرشيد في بغداد، وهو إن لم يكن على اتصال مباشر بالخليفة، إلا أنه كان وثيق الصلة بوزرائه البرامكة [5] .
وهكذا نجح جابر في أولى خطواته في المجالين؛ العلمي والسياسي، الأمر الذي ساعده في تهيئة الأجواء المناسبة لممارسة النشاط العلمي؛ وذلك من خلال نشاطه الجماعي الذي يستجيب على أثره لحاجات من حوله من أساتذة وأصدقاء من أهل العلم أو السياسة. [ ص: 62 ]