- البعد عن الواقـع
ومن الجدير بالذكر أنه لم يخالف أي مندوب من مندوبي الأمم المتحدة أي جزء من أجزاء الميثاق العالمي الذي أقرته وأعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 / 12/1948م. وقد يكون السر في ذلك أن الميثاق لم يكن إلا مجرد إعلان للمبادئ العامة وهو لا يتضمن فرض أي التزام على أي طرف. أي أنه لم يكن اتفاقا تلتزم به الأطراف الموقعة عليه، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أن الإعلان المكون من مقدمة وثلاثين مادة لا نجد فيه نصا على الواجبات إلا في المادة التاسعة والعشرين (29) منه، وقد جاء الحث على الواجب في هـذا النص مقيدا غير مطلق. وفيه أن على كل إنسان واجبات نحو المجتمع تهيئ لشخصيته مجالا للنمو الحر الكامل [1] . [ ص: 42 ] لهذا, لنا أن نرى بأعيننا كيف يجري في العالم تمزيق حقوق الإنسان في كل العصور في ظل هـذه المواثيق, خاصة في العصور المتأخرة, فقد شهدت البشرية ألوانا من الاستعمار العسكري والسياسي والاقتصادي والاستيطاني والعنصري والفكري.
ويمثل التمييز العنصـري والجنسـي والثقافي وغير ذلك انتهاكا صارخا لحقـوق الإنسـان داخل كل مجتمـع من المجتمعـات خاصة تلك المجتمعـات المتقدمـة. والأمثلة معروفة وكثـيرة، ويصل هـذا الانتهاك إلى حـدوده القصـوى فيما يسمي بالمجتمعات المتخـلفة، مجتمعات العالم الثالث.
يكفي أن نذكر بعض المعطيات الإحصائية الواردة في دراسة للأستاذ «لوبز راي» [2] .
فقد ذكر أن ألمانيا تنادي بحرية التنقل للأشخاص وكذلك شرعية حقوق الإنسان والعهد الدولي بعد أن أقامت النظم الديمقراطية احتفالا بذكرى مرور أربعة عشر عاما على إنشاء حائط برلين، مع أنه كان لديها سبعة عشر ألف (17.000) معتقل سياسي، منهم أربعة آلاف اعتقلوا لمحاولتهم اجتياز ذلك الحائط. وفي أوغـندا بلغ عدد المعتقلين أكثر من خمسين ألف شخص. وفي (الفتنام) أعلن النظام الجديد أن كل المعتقلين [ ص: 43 ] المحتـجزين في معسـكرات الإصـلاح أفرج عنهم ما عـدا ستين ألفا. وفي ( الكمبودج ) وحسب التقديرات المعتدلة، صفى على الأقل منذ سنة 1975م مائـة ألـف (100.000) شخص. وفي إندونيسيا يوجد خمسون ألف معتقل سـياسي على الأقـل، فضلا عن سائر البلدان في أمريكا اللاتينية ، وفي طليعتها الشيلي التي كانت موضع قرارات عديدة من الأمم المتحدة والوكالات والجمعيات الدولية، وكلها تدين حجر الحرية والتصفية الحاصلة [3] .
أما فيما يخص انتهاك حقوق الإنسان أثناء الإيقاف الاعتباطي وممارسة التعذيب على الموقوفـين، فقد قدر الأسـتاذ «لوبز راي» في بحثه السابق أنه خـلال سنة 1976م وحدها يقدر العدد اليومي للذين يخضعون للتعذيب بـمائة وثمانين ألف (180.000) شخص، يقوم بتعذيبهم خمسمائة وأربعون ألف (540.000) مسئول رسمي. بينما يبلغ العدد اليومي للذين تمـارس عليهم المعامـلة غير الإنسـانية أثناء الاعتقال السياسي بمائتين وسبعين ألف (270.000) شخص، ويبلغ العدد اليومي لمن يعاني من أساليب المعاملة غير الإنسانية في السـجون العادية مليون شخص. هـذا في عام1976م، فما هـو الوضع اليوم وقد ازدادت أوضاع الدول سوءا؟ [ ص: 44 ] هذا الواقع الأليم نكاد معه أن نشك بأن المقصود بمفهوم الإنسان في وثيقة الحقوق هـو الإنسان الأوروبي دون غيره من البشر، وأكثر من ذلك قد يكون المفهوم قاصرا على الأوروبي الغربي دون الشرقي، وهكذا تتباعد دلالة كلمة الإنسان بين المقصود بها في الاستخدامات السياسية والمقصود بها في النصوص الدينية.