الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            انتشار الإسلام في كوسوفا

            سامر بابروش أحمدي

            المبحث الثالث

            أصل سكان «كوسوفا»

            اختلف المؤرخون حول الأصول العرقية لسكان «كوسوفا» الأوائل وعلاقتهم بها، فقد أورد المؤرخون المسلمون وغيرهم أن الشعب الألباني كان أول الشعوب التي استوطنت البلقان. إلا أن تاريخ هـجرة هـذا الشعب إلى هـذه المنطقة ما يزال مجهولا حتى اليوم.

            ويؤكد أمير البيان « شكيب أرسلان (1286 - 1366هـ/1869 – 1946م) » في كتابه: «لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم»، قائلا: «ولم يزل الأرناءوط أرناءوطا منذ عهد لا يعرف بدؤه، وهم بين أمتين كبيرتين، اليونان والصقالبة، أي السلاف» [1] ، و «إن الألبانيين سكنوا هـذه البقاع واستوطنوا البلقان قبل أي شعب آخر»، وهو في الوقت نفسه رأي قدماء المؤرخين [2] .

            أما المؤرخون الأوروبيون فبعد إطلاعهم على اللغة الألبانية ومقارنتها باللغات الأخرى توصلوا إلى مؤشرات، حاولوا توظيفها لمعرفة أصل الشعب الألباني، ومن أين أتى؟ ومتى استوطن البلقان؟ فقالوا: إن الأمم والأقوام [ ص: 58 ] المختلفة حينما قامت بأول هـجرة في التاريخ القديم من مناطق «بلخ وهرات» بآسيا الوسطى توجه بعضها إلى روسيا ، وبعضها إلى قفقاسيا ، وبعضها إلى سواحل البحر الأسود، وبعضها إلى إيران والأناضول ، وكلها كانت تقصد الهجرة نحو الغرب، وإن أول شعب من الشعوب نزح إلى البلقان واستوطن في شرق أوروبا هـو الشعب الألباني [3] .

            أما عن الألبانيين الحاليين، فإن الرأي السائد حاليا في أوساط العلماء هـو انحدارهم مباشرة من «الإيليريين Illyrians» القدماء [4] ، ويعتبر «الإيليريون» أجدادا للألبانيين [5] . [ ص: 59 ] وأول مؤرخ ذكر الإيليريين هـو « هـرودوتي Herodoti» في الباب الرابع من كتابه «التاريخ» حيث قال: إن الداردانيين في القرن الخامس قبل الميلاد كانوا يعتبرون جزءا من الإيليريين [6] .

            ولم تذكر المصادر التاريخية ولا المصادر الأخرى شيئا عن تاريخ هـجرة الألبانيين إلى ألبانيا، ومن هـنا يمكن القول: إن الألبانيين أصليون في أراضيهم التي يسكنونها اليوم؛ لأن الألبانيين هـم أبناء الإيليريين ولا يوجد انقطاع في سلسلة نسبهم إليهم

            [7] .

            وحسب الوثائق الصربية المتعلقة بأحداث القرون الوسطى فإن الألبانيين موجودون في « كوسوفا » وما حولها، حيث تقول: إن الألبانيين مذكورون في ناحية « دوغاجين Dugagjine» (الكوسوفية) ، وفي مدينة « بريزرن Prizren»، وفي ناحية « درنيتسا Drenica» (الكوسوفية) [8] . [ ص: 60 ] هذه المعلومات تثبت حقيقة وجود الألبانيين في الأراضي الكوسوفية في هـذا العصر وقبله بكثير.

            وفي عصر الحكم الروماني سميت البلقان بـ «إيليروسيوم Ilirucum» أي «إيليريا» وقد حملت «داردانيا» هـذا الاسم خلال عصر الحكم البيزنطي [9] .

            وتوضح الثقافة الألبانية – الآربرية – عبر المساكن الأثرية الكثيرة بشكل واضح أن أصحابها كانوا سكانا أصليين، وهي استمرارية للثقافة الإيليرية التي حافظت على العرف الإيليري وطورته [10] .

            وفي العصور الأولى الميلادية حينما كانت تقع الحروب في أراضي «كوسوفا» الحالية بين القبائل الإيليرية والكلتية والألمانية كانت مساحة «كوسوفا» تسمى بـ «كامبي داردانيسي Campi Dardanici»، وفي سبعينيات القرن السادس الميلادي في نهاية حياة الإمبراطور البيزنطي «جوستينيان Justinian»، وأصله إيليري، كانت جزيرة البلقان كلها تسمى بـ «إيليريا Iliricum» إلا الجزء الجنوبي الشرقي للبلقان فقد كان يسمى «ثراقيا ThraKia» [11] ، وهذا يدل على أن الشعب الألباني أو أصوله كانت تعيش في هـذه المنطقة منذ القدم. [ ص: 61 ] ويذكر العالم الجغرافي القديم « بطليموس Ptolemeu »، من مدينة الإسكندرية في مصر ، في خريطته، لأول مرة قبيلة «ألبانوي Albanoi» ومدينتها «ألبانوبوليس lbanopolis»، التي تقع اليوم في وسط ألبانيا الحالية ما بين مدينة «دورس Durres» ومدينة «ديبر Diber» [12] ، ويؤيد هـذا العالم الآراء التي تؤكد أصلية الألبان في أراضيهم.

            شملت المساكن الإيليرية قديما جنوب النمسا وجزءا من المجر ويوغسلافيا السابقة وألبانيا وجزءا من شمال اليونان .. والقبائل الإيليرية الرئيسة قديما هـي: «يابوديون Japodet» في الشاطيء الكرواتي، و «ليبورديون Liburdet» في شمال دالماسيا بالقرب من مدينة «زارا Zara»، و «دالماتيون Dalmatet» في دالماسيا، و «دسيتيئاتيون Desitiatet» و «داؤورسيون Daorset» في البوسنة، و «آؤوتاريون Autariatet» في الهرسك، و «آرديانيون Ardianet» في دالماسيا الوسطى إلى النهر «نرتوا Neretva»، وتعتبر قبيلة الآرديانية هـي الأقوى، التي أسست مملكة قوية إيليرية بعاصمتها «إيشكودرا ShKodra»، ومن ملوكها: «آغرون Agron»، و «تؤوتا Teuta» (امرأة) ، و «غينسي Genci»، وهي المملكة التي دمرت من قبل الرومان، و «داردانيون Dardanet» في «كوسوفا» الحالية، و «ألبانيون Albanet» في ألبانيا الحالية [13] . [ ص: 62 ] ويقول العالم « هـرتزبرغ Hertzberg » (في الشئون البيزنطية) : إن أصل الألبانيين من الإيليريين [14] .

            ويقول العالم « جوهان ثونمان Johann Thunmann» في كتابه الذي أصدره في عام 1188هـ / 1774م: إنني لم أجد في تاريخ الألبانيين أي أثر يدل على هـجرتهم المتأخرة [15] .

            ويقول العالم اللغوي الألباني « أكرم شابي EKrem Qabej» (1326–1401هـ / 1908 – 1980م) : إننا عندما نقول إن الألبانيين أصليون في أوطانهم الحالية لا نعني أصليتهم المطلقة؛ لأن كل الشعوب – الهندوأوروبية – مهاجرة من أوطانها ما قبل التاريخ، وكذلك الشعب الألباني مهاجر من وطنه الأصلي منـذ القـدم بحيث لا يعرف بدؤه، وإنما نعني أصليتهم النسبية فقط

            [16] .

            ويقول العالم النمساوي « نوربرت جوكلي Norbert JoKli» (1294–1362هـ/1877–1942م) : إن داردانيا كانت المهد القديم للألبانيين في البلقان. وقد عبر قبله العالم « م. إ. دورهان M. E. Durhan» [ ص: 63 ] 1280–1364هـ/1863–1944م) الذي أكد أن داردانيا كانت المهد القديم للألبانيين [17] .

            يقول الدكتور محمود علي التائب عن أصلية الألبانيين عامة وأصل سكان «كوسوفا» خاصة: إن الألبانيين أصليون في بلادهم وينحدرون من السلالة الإيليرية القديمة، التي كانت تقطن في الأرض التي سميت بـ «إيليريا» منذ العصر البرونزي الذي يبدأ قبل الميلاد بـ 2700 عام تقريبا، وقد احتلت الإمبراطورية الرومانية بلاد الإيليريين في القرن الثالث قبل الميلاد، وبدأت الثورات الإيليرية ضد الرومان الغزاة واستمرت حوالي قرنين ونصف، ورغم تمكن الرومان من احتلال إيليريا إلا أنهم لم يهزموا الروح المعنوية للشعب الإيليري – الألباني وخاصة سكان المناطق الجبلية وهم الأكثرية. وقد انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين: الإمبراطورية الشرقية والغربية في القرن الرابع الميلادي، وكانت «كوسوفا» تابعة للإمبراطورية الشرقية [18] .

            فهذه الآراء تتفق على أن الألبانيين ينحدرون من الأصول الإيليرية القديمة التي استوطنت في البلقان ولا يعرف تاريخ هـجرتهم إليها.

            وهناك رأي شاذ لا تؤيده أية أدلة تاريخية، وهو الرأي الذي أورده السيد أحمد بن زيني وحلان ، ويقول فيه: «... الأرناءوط هـم صنف من [ ص: 64 ] النصارى يتصبرون على المحن، ويتكلفون الأعمال الشاقة، قيل أصلهم من عرب الشام، من بني غسان ، ارتحلوا من الشام بعد ما أتى الله بالإسلام، فقدموا من الشام وتوطنوا هـذه البلاد، وقيل أصلهم من البربرعبروا البحر من الغرب إلى هـذا الصوب، ثم غلب عليهم الجهل فتنصروا...» [19] .

            وفي ضوء ذلك كله، وبعد الإطلاع على بعض المصادر والمراجع، التي تتحدث عن تاريخ الشعب الألباني وأصوله بشكل عام، وتاريخ سكان « كوسوفا » بصورة خاصة، فإن الذي يترجح عندي هـو النتيجة الموثوقة التي أوردها المؤرخون وتتلخص في أن أصل سكان «كوسوفا» يعود إلى قبيلة «داردانيا» التي تنحدر من الإيليريين، وكانت تعتبر مملكة مستقلة بملكها الأول «لونغار Longar». [ ص: 65 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية