الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            توطين العلوم في الجامعات العربية والإسلامية (رؤية ومشروع)

            الدكتور / علي القريش

            علوم إنسانية واحدة أم متعددة؟

            بادئ ذي بدء, لا بد أن نشير – ونحن نقف أمام هـذه القضية - إلى أن العلوم الإنسانية الغربية ما نهضت إلا على أسس فلسفية مستمدة من المدارس «العقلية» و «التجريبية» و «الوظيفية» و «البراغماتية» و «المادية الديالكتيكية», وهي على المستوى الاجتماعي قد تمخضت عن واقع له آيديولوجيته ونظمه ومؤسساته، فشكل ذلك الواقع إطارا لانبثاق مفاهيمها ونظرياتها والانشغالات التي تداولها المختصون في حقولها.

            والعلم الإنساني الغربي – خاصة في تياراته الليبرالية المحافظة – كان أداة لصون البناء الاجتماعي, وتعبيرا عن آيديولوجيته السائدة, سواء في إطار بحوثه الداخلية أو الخارجية. [ ص: 30 ] خذ مثلا كيف يدرس العالم الغربي مجتمعات الآخرين في آسيا وأفريقيا , إنه لا يدرسها بموضوعية العالم الطبيعي حين يتناول الظاهرة الطبيعية, ولا في ضوء الالتزام المحكم بمـا تمـليه المعطيات الحقيقية للواقـع المدروس وظواهره الخاصة, بل تتحكم في حركة بحوثه نزعة «التمركز حول الذات» (Euro - Centrism) التي تجعل من مقاييسه الفكرية ونسقه الحضاري معيارا لقياس الآخرين، وليست الدراسات الاستشراقية والإنثروبولجية ونظريات التخلف والتنمية إلا نماذج صارخة لهذا المنهج.

            وهذه الحقائق التي تفرضها طبيعة العلوم الإنسانية وظروف تكونها والتباسات حقلها لم تعد محل جدل كبير, فالكثير من المفكرين والعلماء والباحثـين في الغرب نفسـه أقر بجانب «اللاموضوعية» فيها, نذكر منهم - على سبيل المثال لا الحصر - ( كارل بوبر ) و ( ميردال ) و ( لند ) و ( جيبسون ) و ( فان دالين ) ، ناهيك عن أصحاب الاتجاهات الراديكالية.

            ومن هـنا يمكن القول: إن الجذور الفلسفية لهذه العلوم ونشأتها انعكاس لواقع معين؛ ووظيفتها التنظيرية في سياق بناء اجتماعي, وخدمتها لغايات اجتماعية, قد جعلتها محكومة باعتبارات معيارية ونفعية وجغرافية, تخرج بها في أكثر الأحيان عن مفهوم العلم (Science) بمعناه العالمي المحدد المعروف في حقل العلوم الطبيعية, الأمر الذي أخذ يخلع عليها إقليمية من نوع ما, دفعت بالبعض إلى القول: إنه لا توجد هـناك علوم إنسانية اجتماعية واحدة, بل توجد علوم مختلفة, تتعدد بتعدد الخرائط الاجتماعية والحضارية. [ ص: 31 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية