الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            توطين العلوم في الجامعات العربية والإسلامية (رؤية ومشروع)

            الدكتور / علي القريش

            توطين التكنولوجيا

            على الرغم من الطابع المحايد للتكنولوجيا بوجه عام، إلا أن ثمة منتجات تنطوي، إن في استخداماتها أو في تكوينها المادي، على تحيزات ما، كما أن بعض المنتجات قد تعكس أنماطا من التفكير، وأساليب معينة من العمل، تتباين من مجتمع إلى آخر، ومن حضارة إلى أخرى، لهذا يقال: هـذه تكنولوجيا أمريكية، وتلك يابانية، والأخرى روسية، والرابعة ماليزية، وهكذا.

            ثم إنه على الصعيد التنمـوي لا يمكننا اعتبار المجتمع تكنولوجيا بحق ما لم يكن هـو المنتج لتلك التكنولوجيا أو مسهما - على الأقل - فيها، فالمدنية الحقيقية هـي التي تلد منتجاتها - كما يقول مالك بن نبي - ولا يهم على أي من المستويات تكون تلك الولادة، مادامت حضانة الوليد وتنميته تظل عملا داخليا، فإنجلترا خاضت منذ البداية ميادين متواضعة كصناعة الغزل والنسيج وتعدين الفحم، وأمريكا نشطت منذ أوائل القرن التاسع عشر في حقول الاكتشافات الجيولوجية والمعدنية والجغرافية، وعمل كلاهما على تطوير تلك الصناعات والاكتشافات في سياق مؤسساتهما الاجتماعية [1] ، [ ص: 68 ] وهذا ما فعلته فرنسا ، ومجمل البلدان التي شرعت في التنمية منذ منتصف القرن التاسـع عشر، حتى أن كلا منها قد اعتمـد في تجهيزاته على الآلات والأدوات الـتي كانت بمعظمها من صنع محلي - كما يقـول « بول بيروك » [2] .

            بناء على ما تقدم، يمكن القول: إن نقل التكنولوجيا لكي يتحول إلى عمل نهضوي لا بد له من استنبات وتوطين يتحول خلالهما المنقول إلى مفردة عضوية في جسد البناء الاجتماعي العام، وهذا لا يتحقق ما لم تتوافر القاعدة العلمية والعمالة المدربة، والخامات الأولية والتدريب والاستنبات الاجتماعي والمواءمة الثقافية، وهو ما يعني: أن التكنولوجيا الحقة هـي التي تتشكل في سياق البناء المجتمعي الخاص، وتنمو في إطار نظم المجتمع ومؤسساته، لهذا نقول: إنه لا يمكن للسيارات الحديثة، والأبنية الفخمة، وكثرة الأجهزة المتطورة، والمواد الاستهلاكية المتنوعة أن تشكل أمارات على نهضة حقيقية، ما لم تكن جزءا من البنية المعرفية والنظامية والإنتاجية للمجتمع.

            إن الساكن العربي والمسلم كثيرا ما يضطر إزاء النقل العشوائي للطرز المعمارية أن يمارس تحويرا ما، كما في الشرفات والشبابيك المكشوفة والسياجات المنخفضة التي لا تتفق مع مفهوم السـتر الإسلامي، كما قد لا يجد هـذا الساكن نفسه منسجـما مع تقنيات «دورة المياه» الأوربية التي لا تتوافر فيها الشروط الشرعية للطهارة، وهكذا فيما ينقل وهو ينطوي على [ ص: 69 ] أنماط مغايرة في التفكير أو العادات أو نظم العمل التي من شأنها إحداث تنافر بين المستخدم والمنقول.

            إن أفراد «البيجا» في شرق السودان ، رفضوا الجرارات الزراعية التي استوردت لهم، حين اعتقدوا أنها تفسد عليهم قشرة الأرض وتقلل من رطوبتها، فيما نجحت البرامج الزراعية في الهند وسيلان حينما كانت تلبي بأدواتها المستوردة حاجات المجتمع، ولم تصطدم مع نظمه أو تقاليده الخاصة [3] .

            بل إن عدم التوافق بين المستقبل والمنقول، قد يكون ذا بعـد بيئي، كما في حالة ما إذا تم إدخال تقنية الواجهات الزجاجية لمعمار مدن كالبصرة ومسقط وأسوان والرياض [4] حيث تغفل الفوارق المناخية والتراثية ولا يغدو لهاتيك الواجهات معنى.

            من هـنا علينا أن ندرك أن العلاقة بين التكنولوجيا والإنسان من جهة، والتكنولوجيا والبيئة من جهة أخرى، إنما هـي علاقة جدلية بامتياز، وأن عمليات التطويع والملاءمة والتوطين، التي تقوم على مبدأ خدمة الإنسان والبيئة، حرية بأن تجعل من التكنولوجيا - إن في حالة النقل أو في حالة الإبداع - أحد أبرز عوامل التنمية والنهوض. [ ص: 70 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية