- توطين المصطلحات:
يمثل المصطلح أو المفهوم موقعا مركزيا في مشروع توطين العلوم، فالمترجم أو الباحث الذي يلجأ إلى قواميس العلوم، قد لا يجد صعوبة حينما يفعل ذلك في حقل العلوم الطبيعية والرياضية والتوثيقية، إلا أنه في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية لا بد أن يصطدم بإشكاليات ما تحمله المصطلحات والمفاهيم الأجنبية من رموز ودلالات، فعلاقة الدال بالمدلول مسألة مركبة – كما يقول د.عبد الوهاب المسـيري – ويزداد التركيب كلما كانت الدوال ذات صبغة عقيدية، حيث يبرز التحيز ويزدوج الاجتهاد، إما بسبب السياق أو بسبب ما يحمله صاغة المفهوم من تصورات أو اتجاهات، وهذا ما نتلمسه في مفاهيم عدة في العلوم الإنسانية والاجتماعية كالأسرة، والأمة، والمجتمع المدني، والعصور الوسطى، والتقدم، والكبت، والأغلبية والأقلية، وغيرها. [ ص: 155 ] لقد باشر القرآن التوطين الفكري، فـ « Putiphare » وهو اسم لشخصية كتابية أصلها مصري ومعناها «عزيز الإله شمس» قد عربت في سورة يوسف بكلمة «العزيز» اكتفاء باللقب واستبعادا للمفردتين الأخريتين اللتين لا تنسجمان مع روح التوحيد في منظوره الإسلامي [1] .
والحقيقة: أن التوطين إذ يصدق على العلوم الإنسانية، فإنه يصدق بنسبة أقل على صعيد العلوم الطبيعية وغيرها.
من جهة أخرى يمكن للتوطين أن يشمل بعض أدوات البحث العلمي كالاختبارات والمقاييس، التي يستخدمها الباحثون الأجانب ويراد تطبيقها على البيئة العربية والإسلامية، فالأسئلة والعبارات التي تتضمنها تلكم الأدوات لا بد من إخضـاعها عند النقـل إلى التكيف وإعـادة الصياغة بما يستجيب مع طبيعة المجتمع والبيئة المنقولة إليها على نحو ما فعل بعض الأساتذة العرب، كما سبق أن بينا.
أما بالنسبة لدور الترجمة أو التعريب في توطين منتجات التكنولوجيا، فنتبينها عند وضع «الكاتولوكات» التي تتناول مكونات المنتج، جهازا كان أو سلعة أو عقارا، وتوضح طرق استخدامه أو استعماله أو ما يرشد إلى صيانته، فالترجمة هـنا تساعد العمال والفنيين والإداريين والمستخدمين على [ ص: 156 ] التعاطي السهل مع تلك السلع أو المنتجات دون قصر ذلك على الصفوة، الأمر الذي من شأنه أن يشيع مناخا معرفيا وثقافيا ييسر فهم التكنولوجيا ، ويجعل من التعامل معها أمرا يجري على نطاق واسع، وهو ما يساعد في النهاية على تفعيل التوطين وتنشيط عملياته.