- المطلب الثاني: الضروريات:
وهي الكليات الكبرى التي جاء الإسلام لحفظها لمجموع الأمة وآحادها حتى تستقيم حياة الناس في الدنيا ويتحقق لهم الفوز في الآخرة، وقد عرفها الإمام الشاطبي بأنها: «ما لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصـالح الدنيا عـلى استقـامة بل على فساد وتهارج «أي فتن وقتال» وفوت حياة، وفي الآخرة فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين» [1] .
ويعتبر إشباع هذه الضروريات واجبا بل هو فرض على المسلمين؛ فهي لازمة للقيام بمصالح الدين والدنيا معا، وقد بين الشاطبي اتفاق الأمة عليها بقوله: «فقد اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وعلمها عند الأمة كالضروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين، ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجـوعها إليه، بل علمت ملائمتها للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد» [2] .
إن النظر في حفظ هذه الضروريات ينتهي بنا إلى القول: إنها سبقت الأهداف التي تسعى التنمية البشرية إلى تحقيقها بكثير، من أربعة عشر قرنا. فحفظ الدين بمعناه الشامل يراد له أن يحيا المجتمع على وفق نظام يضمن [ ص: 104 ] العدالة ويحقق المصلحة للجميع؛ وحفظ النفس مفهوم شامل للحفظ من حيث الصحة والتعليم والحياة الكريمة؛ وحفظ النسل من شأنه الحفاظ على النوع البشري والبحث عن تكوينه على أساس سليم يضمن نشأة الجيل في بيئة ملائمة تنهض به وتعده أفرادا صالحين للمجتمع.
وحفظ المال يعتبر من الوسائل المهمة والأساسية لتحقيق هذه الحياة الكريمة. أما العقل فيتم حفظه بإزالة معوقات تنميته ابتداء كالخبائث من المسكرات والمخدرات وبالتالي نضمن عقلا سليما يؤسس لمجتمع خال من الجريمة والانحلال.