الصحابيات الأخريات:
1- أسماء بنت يزيد [1] :
اسمها الكامل أسماء بنت يزيد بن السـكن بن رافـع بن امرئ القيس ابن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث الأنصارية الأوسية ثم الأشهلية. هي بنت عم معاذ بن جبل وكانت تكنى أم سلمة. وقال ابن حجر: أم عامر بنت يزيد بن السكن الأنصارية الأشهلية هي أختها سماها ابن السكن فكيهة. ولها أخ اسمه عمرو بن يزيد بن السكن. استشهد أبوهما بأحد سنة ثلاث، وقتل معه ابنه عامر بن يزيد، رضي الله عنهما. وكانت يقال لها خطيبة النساء، شهدت اليرموك وخيبر، وقتلت يومئذ تسعة من الروم بعمود فسطاطها، وعاشت إلى دولة يزيد بن معاوية. وتعد أسماء بنت يزيد ثالث امرأة راوية للحديث الشريف بعد أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة، رضي الله عنهن. [ ص: 138 ]
لقد عرفت أسماء برجاحة العقل، وكانت من فضليات الصحابيات، كثيرة الدخول على أمهات المؤمنين، ملازمة للبيت النبوي، زد على ذلك حبها للعلم والسؤال. وتجمع مروياتها بين التفسير وأسباب النـزول والأحكام والشمائل والمغازي والسيرة والفضائل. ألقت رحالها في دمشق وأخذت تحدث بها. ذكر لها الحاكم [2] حديثا واحدا صحيحا فقط.
إن اهتمام أسماء بالعلم وبقضايا التغيير، كما سنرى، لا يعني أنها كانت مسترجلة، بل على العكس هي كغيرها من الصحابيات النخبويات فلقد كانت تهتم بأمور الزينة. فكثيرا ما تفهم بعض النساء أن التدين الصحيح يعني الزهد المطلق في الدنيا، والانكباب على طلب العلم، أو أن الاهتمام بالزينة في حدود مايرضي الله يتنافى مع التقوى والورع. وهذا تفكير غير صحيح بدليل أن الصحابيات كن يولين اهتماما خاصا بهذه الأمور. ومن بينهن أسماء بنت يزيد الأنصارية، حيث شاركت في تزيين عائشة، رضي الله عنها، عندما أهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم [3] . فالتزين للزوج الصالح عبادة أيضا إذا قصدت بها إرضاء الله عز وجل وليس إفلاس الزوج وإغناء الشركات التي لا تخلو موادهم من الأضرار التي تضر بصحة المرأة.
ولقد كانت شخصية المرأة الأنصارية تتميز بصفات تعبر عن طلاقة روحها، وحريتها في التعبير بدون خجل عما يكمن في صدرها. وانعكس هذا [ ص: 139 ] في علاقتها بزوجها حيث اشتهرت نساء الأنصار بأنهن كن منفتحات أكثر على مبدأ الحوار مع أزواجهن. وعندما قدمت النساء المهاجرات تأثرن بهذه الصفة [4] . ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإلغاء مبدأ الحوار في الأسرة، بل العكس شجعه بدليل المعاملة التي كان يعامل بها زوجاته، سواء مع أم سلمة أو مع عائشة، كما سنرى. وهذا ما رشح أن يكون من بين الأنصاريات نماذج نخبوية جريئة حريصة على ما يهم النساء في الدنيا والآخرة. فلقد تميزت أسماء بنت يزيد عن أخواتها الصحابيات بجرأتها في السؤال عن دينها وقول الحق دون أن يمنعها حياؤها من ذلك وهذا مما جعل السيدة عائشة، رضي الله عنها، تثني عليهن عندما جاءت أسماء تسأل عن دينها بقولها: "نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" [5] . [ ص: 140 ]
لقد كانت أسماء أنموذجا نخبويا من نماذج النساء الأنصاريات، جريئة تعبر عن حاجات واهتمامات نساء مجتمعها، فعن أسماء بنت يزيد قالت: ( أنا من النسوة اللاتي أخذ عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت: وكنت جارية ناهدا جريئة على مسألته، فقلت: يا رسـول الله، ابسط يدك حتى أصـافحك. فقال: إني لا أصافح النساء، ولكن اخذ عليهن ما أخذ الله عليهن... ) فذكر الحديث [6] .
وعن أسماء بنت يزيد الأنصارية أيضا قالت: ( زعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما، وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده إليهن بالسلام. فقال: إياكن وكفران المنعمين. قالت إحداهن: يا رسول الله، أعوذ بالله من كفران نعم الله. قال: بلى، إن إحداكن تطول أيمتها، ويطول تعنيسها، ثم يرزقها الله عز وجل البعل، ويفيدها الولد وقرة العين، ثم تغضب الغضبة فتقسم بالله: ما رأت منه سـاعة خـير قط، فذلك من كفران نعم الله، وذلك من كفران المنعمين ) [7] .
وعن أسماء أيضا ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى النسـاء في جانب المسجد فإذا أنا معهن فسمع أصواتهن، فقال: يا معشر النساء، إنكن أكثر حطب جهنم. فناديت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت جريئة على كلامه فقلت: يا رسول الله، لم؟ قال: إنكن إذا أعطيتن لم تشكرن، وإذا ابتليتن لم تصبرن، وإذا أمسك عليكن شكوتن، وإياكن وكفر المنعمين. فقلت: يا رسول الله، وما كفر [ ص: 141 ] المنعمين؟ قال: المرأة تكون مع الرجل وقد ولدت له الولدين والثلاثة، فتقول ما رأيت منك خيرا قط ) [8] .
ولقد اشتهرت أسماء بلقب خطيبة النساء، لحرصها على مصالح بني جنسها، وطموحها في تحقيق أفضل الأعمال. ولقد اشتهرت بهذا اللقب بناء على الرواية التي سألت فيها، رضي الله عنها، النبي صلى الله عليه وسلم نيابة عن النساء، ذلك السؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل امرأة عاقلة، ويشغل عقل كل من تؤمن بالله واليوم الآخر. وهناك روايات مختلفة حوله ولم أستطع أن أقف على روايات صحيحة للجزم بمعاني محتوى المتن:
روي عن أسماء بنت يزيد الأشهلية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ( يا رسول الله، إنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، وحوامل أولادكم، فهل نشارككم في الأجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم، إذا أحسنتن تبعل أزواجكن وطلبتن مرضاتهم ) [9] .
عن العبـاس بن الوليد بن مزيد أخـبرني أبو سعيـد الساحلي واسمه الأخطل بن المؤمل الجبيلي عن مسلم بن عبيد عن أسماء بنت يزيد الأنصارية من بني عبد الأشهل أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت: ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، وأعلم نفسي لك الفداء، أنه ما من [ ص: 142 ] امرأة كانت في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي، أن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومفضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجا أو معتمرا أو مرابطا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابـكم وربينا لـكم أولادكم، أفمـا نشارككم في هذا الخير يا رسول الله؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: "سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها عن أمر دينها من هذه؟"، قالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال: "انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من ورائك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله"، قال: فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا ) [10] . وتبعـل المرأة لزوجها أي طاعتها لبعلها. وتبعلت له أيضا بمعنى تزينت. ويقال: امرأة حسنة التبعل إذا كانت مطاوعة لزوجها محبة له [11] . [ ص: 143 ]
موقع أسماء بنت يزيد في الوسط النخبوي:
سبق وأن أشرنا إلى أن أسماء بنت يزيد قد كان لها دورها في الوسط النخبوي، كما رأينا، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم . وشجعها صلى الله عليه وسلم على ذلك وأثنى على حرصها على المصلحة العامة. ولم يتوقف دورها عند هذا الحد، بل استمر في عهد أبي بكر، رضي الله عنه، حيث كانت تحفظ الروايات التي تتحدث عن القضايا المتعلقة بالخلافة مما يدل على مجال اهتمامها. هـذا الكـلام نستنبطه ولو بشق الأنفس من رواية عن القاسم بن محمد أن أسماء بنت يزيد، أخبرته أن رجلا من المهاجرين دخل على أبي بكر حين اشتكى وجعه الذي توفي فيه، فقال: يا أبا بكر، أذكرك الله واليوم الآخر، فإنك قد استخلفت على الناس رجلا فظا غليظا يزع الناس ولا سلطان لهم، وإن الله سائلك. فقال: أجلسوني، فأجلسناه، فقال: أبالله تخوفوني!؟ إني أقول: اللهم إني استخلفت عليهم خيرهم [12] .
ولم تورد لنا المصادر، التي ذكرتها سابقا، إسهاماتها في هذا العصر للأسف. ويبدو أن السبب الرئيس، كما ذكرت سابقا، راجع إلى التركيز على راويات الحديث أكثر. ونظرا لعدم توفر الروايات الصحيحة يكفي الاستئناس بهذه الروايات لإبراز أهمية صوت المرأة في الوسط النخبوي. [ ص: 144 ]