2- بين الديمقراطية الإسلامية والديمقراطية العلمانية:
بعد أن حدد بن نبي الفروق الجوهرية بين النموذج الإسلامي والنماذج الغربية، أشار أيضا إلى الفرق الجوهري بين النموذج الإسلامي والنموذج اللائكي للديمقراطية.
ولهذه الوقفة أيضا أهميتها البالغة، لأننا -كما أشرنا من قبل- نجد في الساحة الفكرية والسياسية من يصرون على الربط بين الديمقراطية والعلمانية، ويجعلون أي حديث عن الإسلام والديمقراطية من باب الجمع بين المتناقضات، لأنه -بحسب أطروحتهم-لا يمكن الجمع بين الديمقراطية التي تنتج حكما مدنيا أساسه الحكم باسم الإنسان، وبين الإسلام الذي لا يمكن أن ينتج إلا حكما ثيوقراطيا، أساسه الحكم باسم الله [1] .
فبين بن نبي أن هذا التناقض بين الإسلام والديمقراطية، والذي نشأ في أذهان هذه النخب الفكرية والسياسية، مرده الأساس إلى الجهل بحقيقة الإسلام، والاختزال لمفهوم الديمقراطية.
فالذي ينظر للمشروع "الديمقراطي على أنه مجرد تسليم سلطات إلى الشعب بمقتضى نصوص دستورية معينة" (ص149)، لا يمكنه أن يدرك العلاقة بين الإسلام والديمقراطية. [ ص: 86 ]
أما الذي ينظر إلى الديمقراطية من خلال وجوهها الثلاثة، التي سبقت الإشارة إليها "الشعور نحو (الأنا) - الشعور نحو (الآخر) - الضمانات التي تدعم هذا الشعور"، فلن يجد لهذا التناقض بين الديمقراطية والإسلام أثرا، ومن ثم لن يكون هنالك ما يبرر الربط الضروري بين العلمانية والديمقراطية كما يدعي العلمانيون، بل سيجد أن التجارب الديمقراطية ذات المنـزع العلماني، آلت بالإنسان إلى أن يفقد حريته، فكانت في جوهرها نافية للديمقراطية الحقيقية
[2] .
يقول بن نبي: "وإذا أردنا أن نعرف شيئا هو الديمقراطية الإسلامية، فإن هذا الشيء يعني أولا (تطعيم) الإنسان، وتحصينه ضد النـزعات المنافية للشعور الديمقراطي، وتصفية هذه النـزعات في نفسه.
أما الديمقراطية العلمانية أو اللائكية، فإنها تمنح الإنسان أولا الحقوق والضمانات الاجتماعية، ولكنها تتركه عرضة لأمرين: فهو إما أن يكون [ ص: 87 ] ضحية مؤامرات لمنافع معينة، أو لتكتلات مصالح خاصة ضخمة، وإما أن يجعل الآخرين تحت ثقل دكتاتورية طبقية؛ لأنها لم تصف في نفسه دوافع العبودية والاستعباد، لأن كل تغيير حقيقي في المجتمع لا يتصور دون تغيير ملائم في النفوس، طبقا للقانون الأعلى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) (الرعد:11)" (ص148).
ويوضح بن نبي، بأن غرضه من هذه المقارنة، بين النموذج الإسلامي والنماذج الغربية العلمانية، هو التنبيه إلى خطورة الاستنساخ الآلي للتجارب الجاهزة، فكل تجربة لها ظروفها وإطارها النفسي والاجتماعي [3] ، ولا يمكن استنباتها في غير منبتها "وهكذا يظهر بوضوح، الخطأ الذي نقع فيه عندا نستعـير من بلاد معينة دستـورا ديمقراطيا جاهزا، لأننا في مثل هذه الحالة لا ننقل مع النصوص الدستورية المستعارة كل الأسس النفسية، والتجربة التاريخية التي أملت هذه النصوص في بلاد مولدها، كأنما نقوم بمشروع ديمقراطي على غير أساس في صميم الواقع" (ص149). [ ص: 88 ]