الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        حاجة الدعاة لعلمي المقاصد وفقه الواقع

        الأستاذ الدكتور / أحمد فؤاد عيساوي

        الفصل الأول

        المدخل والإشكالية المركزية

        والتعريفات الاصطلاحية

        واجه الدين الإسلامي وما يزال يواجه هو ودعاته ومختلف هيئآته ومؤسساته ومنظماته مع مطلع الألفية الثالثة، ولاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001م، موجات وسيولا من التحديات المتشابكة والمعقدة والمختـلفة على كافة الأصـعدة والميادين والجبهات: الداخلية والمحلية والإقليمية والعالمية والخارجية، الذاتية والمعرفية والمنهجية والموضـوعية، البنيوية والشكلية والتواصلية، التي أعاقته وما زالت تعوقه عن تأدية مهام رسالته الإسلامية الخالدة للإنسانية جمعاء على أكمل وجه، وقللت من حضوره وتأثيره في صياغة وصناعة الخطاب الحضاري والمدني والديني العالمي المعاصر.

        تأتي تلك التحديات بالرغم من متانة وتماسك وانسجام مضمونه المرجعي، وقداسة ونبل تعاليمه، وواقعية ومرونة طروحاته، ووسطية وإنسانية [ ص: 15 ] شريعته وتنظيماته، وبالرغم من جدوى وفاعلية سننه ونواميسه وقوانينه، وصلوحية نظامه ومنهجه ورؤيته وتصوره وقيمه، وإيجابية أسسه وقواعده التنموية والحياتية والتجديدية والتقدمية والنهضوية.

        وعلى الرغم من ذلك، إلا أنه ما يزال يتبع العثرة وراء العثرة في زمن الوسيلة الذلول (وسائل الإعلام والاتصال التقليدية والحديثة: مكتوب، سمعي، سمعي بصري، ووسائط اتصال الموجة الإلكترونية المعاصرة) ، ما يجعل العقل المسلم حائرا ومضطربا حيال الرؤية الاتصالية القيمية عن تعثر الخطاب الإسلامي في زمن وعصر الوسيلة، ورؤية نجاح الخطاب في زمن بساطة وتواضع الوسيلة في القرون الحضارية الإسلامية الخالدة.

        وهو الأمر ذاته الذي تواجهه الدعوة الإسلامية وما زال يطرح بإلحاح وقوة على العقل المسلم المعاصر اليوم مناقشة موضوع أسباب تعثر وضعف الخطاب الديني في زمن توفر وسرعة امتلاك واستعمال الوسيلة، ونجاحه وتفوقه في عصر اتسم بضعف وبساطة الوسيلة في قرون الدعوة وانتشار الإسلام الذهبي، منذ القرن الهجري الأول إلى القرن الثاني عشر الهجري السابع الميلادي إلى القرن الثامن عشر الميلادي.

        ولعل أسـباب التعثر كثيرة ومتعددة ومتنوعة وعميقة، منها ما يتعلق بالجهة المنتجة والمعدة والمرسلة للخطاب، فردا كانت أم جماعة أم هيئة، أم [ ص: 16 ] مؤسسة أو منشأة أو دولة، ومنها ما يتعلق بالجهة المستقبلة للخطاب وأصنافها وأنواعها ومستوياتها وبيئاتها ومحيطها، أو بالوسيلة الاتصالية والإعلامية والدعوية نفسها، أو بالأسلوب والطريقة والكيفية، أو بالظروف والأوضاع الزمكانية والكيانية والإمكانية للمستقبلين الحقيقيين والمتوقعين، أو بواقع وبوصلة واهتمامات وانشغالات وتطلعات الجهات المستقبلة للخطاب، ومدى حاجتها ورغبتها أو عزوفها عنه.

        وهو ما سنعالجه ونبحثه من خلال الشعور بالمشكلة الحقيقية للبحث أولا، وهو صلب وهيكل إشكاليته البحثية، المتمثلة في جزئية من جزئيات تعثر الخطاب الديني والدعوي في زمن الوسيلة.

        وقد تكمن الإشكالية في ركن القائم بإعداد وإنتاج وصياغة الرسالة الدعوية، الذي يفتقر ويعوز القائم بها: فقه عميق، وعلم غزير، في علمي المقاصـد وفقـه الواقع وإحـداثيـات تنزيل الخطاب الديني على محله الدعوي المسـتقبلي، أو في باقي الأركان (رسـالة، وسـيلة، جمهور مسـتقبل، أثـر، ردة فعل).

        غير أن ما يعنينا هو معالجـة الجزئية، التي نرجحها - حاليا- لوجاهتها في ترتيب أسـبقيات وأولويات النجاح والتسديد للخطاب الدعوي الموفق.

        [ ص: 17 ] وقبل كل هذا وذاك فإننا سنعالج عبر مباحث الفصل الأول الثلاثة، حقيقة الإشكالية وتساؤلاتنا المركزية البانية والمحفزة على الطرح والمعالجة والاستنتاج، وتقصي المعاني والمفاهيم والحدود والتعريفات الحقيقية لمعالم ومكونات البحث، مع أنمذجة تاريخية، وتمثيل مرجعي تطبيقي قياسي للتعريفات والطروحات النظرية المؤسـسة، وذلك من خلال المباحـث الثلاثة الآتية:

        1- المبحث الأول: المدخل والإشكال والفروض والتساؤلات المركزية.

        2 - المبحث الثاني: المفاهيم والحدود والتعريفات اللغوية والاصطلاحية المعلمية.

        3- المبحث الثالث: معالم أنموذجية واقعية ومقاصدية.

        [ ص: 18 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية