الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        حاجة الدعاة لعلمي المقاصد وفقه الواقع

        الأستاذ الدكتور / أحمد فؤاد عيساوي

        المبحث الثاني

        المفاهيم والحدود

        والتعريفات اللغوية والاصطلاحية

        قبل الخوض في تفاصيل بحثنا نود التعريف بمفاهيمه ومصطلحاته ذات العلاقة الأساسية والوطيدة به؛ لتتضح لنا التصورات الصحيحة السليمة لما نريد معالجته [1] ، وهي المعاني والألفاظ والدلالات الآتية:

        1 - 1- حاجة:

        تشير المادة اللغوية لجذر كلمة [ح، و، ج] وجمعها [حاجات، حوائج] إلى العديد من المعاني، ولكن ما يهمنا في بحثنا الدلالات الآتية [2] :

        [ ص: 25 ] 1 - حاجة: أي كان في حاجة ماسة إلى مساعدته، فالحاجة الضرورة وما لا يستغنى عنها.

        2 - حاجة: الافتقار إلى ذلك الشيء أو الأمر، والاحتياج إليه.

        3 - حاجة: العوز إلى ذلك الشيء أو الأمر.

        4 - الاحتياج: هو العوز والافتقار والضرورة إلى ذلك الشيء أو الأمر المادي أو المعنوي.

        5 - جاء في قوله تعالى: .. ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم .. (غافر:80) ، أي: لتحققوا حاجات ومنافع كامنة في نفوسكم.. وجاء في الأثر: (صاحب الحاجة أرعن) ، أي طالب الأمر يفقد اتزانه وسمته ورزانته طلبا لتحقيق حاجته.

        ومن خلال هذه المقاربة اللغوية يمكننا تقرير أن معنى الحاجة، الذي نذهب إليه هو: الشيء الضروري لحياة البشر، مثل الطعام والمأوى والهواء وسائر متطلبات الحياة المادية والروحية والمعنوية.

        فهو: امتلاك المقصود "ماديا أو معنويا وروحيا"، والتحكم فيه، والاستواء عليه، وعدم الافتقار والعوز إليه.. ومقصودنا في بحثنا: علمي المقاصد وفقه الدعوة.

        وعليه يمكننا تقسيم أركان عملية الاحتياج إلى: محتاج وحاجة وطريقة ومنهج لتحقيق الحاجة وأثر ونفع وفائدة تلك الحاجة، وفق الترتيب التالي:

        [ ص: 26 ] 1 - الداعية أو القائم بالخطاب الدعـوي، فردا أم هيئة، هو المحتاج.. وقد يكون متمكنا فلا يحتاج إلا للمزيد فوق الحد الموجود عنده.

        2 - الحاجة، وهنا ،كما سنبين لاحقا، مضامين ومناهج علمي المقاصد وفقه الواقع ولواحقه من علم فقه التنزيل.

        3 - منهج الأخذ والتمكن من الحاجة المطلوبة.

        4 - فوائد ومنافع وأثر التمكن من تلك الحاجة (علمي المقاصد وفقه الواقع ولواحقه من علم فقه التنزيل).

        5- ردة الفعل والاستجابة المطلوبة دعويا من التمكن من تلك الحاجة (علم المقاصد وفقه الواقع..).

        فالحاجة المعنية هنا هي: الحد المطلوب معرفيـا ونظريا وتطبيقيـا وعمليا وواقعيا وتواصليا من الغرض المنشود والكافي لنجاح المقصود، وهو: (العمل الدعوي).

        1- 2- الدعاة:

        جمع داعية، وهو مشـتق من الجـذر اللغوي لكلمة [دعا، يدعـو، دعـاء، دعوة، داعي] والتي لها معان كثيرة ومتعددة، من الجدير تتبعها للاستجلاء والتحقق.

        1- 2- 1- الدعوة لغة :

        من خلال تتبع المادة اللغوية لكلمة [دعا]، تبين لنا أنها تفيد المعاني التالية [3] :

        [ ص: 27 ] 1 - دعا: نادى، أذن، صوت، صرخ، ابتهل، استنفر، استصرخ، كقوله تعالى: إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير (فاطر:6) ، وكقوله صلى الله عليه وسلم : "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" [4] .

        ومنها قول القائل:

        دعانا والأسنة مشرعات *** فكنا عند دعوته الجوابا



        [5] .

        2 - دعاء: المناداة، الأذان، الابتهال.. و[الدعاء]: الرغبة إلى الله تعالى فيما عنده من الخير، والابتهال إليه بالسؤال، ومنه قوله تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية (الأعراف:55).

        [ ص: 28 ] 3 - دعوى: ألفها للتأنيث، ولذا تقلب إلى تاء مربوطة، فتصبح [دعوة].

        ومن هذه المقاربات اللغوية للفظ [دعا] ومشتقاته نتبين أنه قد ورد بمعان مختلفة تشترك كلها في معنى واحد رئيس هو: عملية إحداث الاحتكاك والاتصال بالناس، وإعلامهم بواسطة القول أو الفعل، أو الاثنين معا، ومحاولة تحسيسهم، وتنبيههم بالرسالة المراد تبليغها وإيصالها لهم [6] .

        محاولة لصياغة تعريف:

        هي محصلة النشاط الاتصالي الشمولي، الذي يمارسه الدعاة الإسلاميون في مرحلتي التغيير والبناء على الصعيدين المحلي والعالمي، بهدف التعريف برسالة الإسلام، التي أنزلها المولى تبارك وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك عبر مختلف الوسائل والتقنيات الحضارية الممكنة، تأسيسا على الأطر المرجعية المقدسة منطلقا وممارسة ومنهجا وأسلوبا وهدفا [7] .

        وعليه، فالدعوة ليست فضاء مباحا ومفتوحا لأي كان من الناس، بل هي مجال محدد وضيق وخاص بمن تفقه في الدين.. والفقه في الدين علم [ ص: 29 ] بأصوله وفروعه في العقائد والعبادات والمعاملات والآداب والأخلاق، وعلم بالثابت (الكتاب، السنة) والمتغير (بأصول الفقه: الاجتهاد، القياس، الاستصلاح، المصالح المرسلة، العرف، شرع من قبلنا..) ، وعلم بالمسائل وأدلتها التفصيلية، وعلم بسيرة وسنة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي علم بعدد من العلوم كالأصول وعلوم القرآن والتفسير والفقه وأصوله، والسيرة والتاريخ الإسلامي، وعلم الحديث ومصطلحه، وعلم المقاصد وفقه الواقع واللغة وفروعها، وغيرها من العلوم الحديثة، بحيث يستوي على الحدود المطلوبة معرفيا، كعلم التاريخ والنفس والاجتماع والاقتصاد والصحة والإعلام والاتصال..

        1- 2- 2- الداعية اصطلاحا:

        يدل لفظ الداعي على المعاني التالية: منادي، مؤذن، مسـتصرخ، مستنفر، مبتهل.. وداعية: التاء فيه زائدة، تعود على طبيعة ونوعية دعوته، وهو المنادي والمؤذن والصارخ في الناس، وقد سمى المولى تبارك وتعالى رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بـ[داعيا] في قوله تعالى: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا (الأحزاب:45-46).

        و[الداعية] لفظ له معنيان أحدهما يدل على الخير، والثاني يدل على نقيضه، ومن ذلك تتميز دعوة الداعي بنوعية ما يدعو إليه، ومن هنا فقد وصف الله رسوله الكريم بداعي الخير في قوله: وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا (الأحزاب:46) ، وعلى لسـان الجـن المؤمنـين لما سـمعوا داعي الله [ ص: 30 ] : يا قومنا أجيبوا داعي الله (الأحقاف:31).

        أما ما يدل على نقيضه فقول الله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار (غافر:41).



        وعليه، سنحاول صياغة تعريف للداعية المسلم تأسيسا على دعوة الأنبياء والمرسلين، ثم الذين يلونهم، فإن الداعية المسلم اصطلاحا، هو: الإنسان المؤهل روحيا، ووجدانيا، وعقليا، وجسديا للاضطلاع بمهمة التبليغ والدعوة لرسالة الله تعالى إلى الأفراد والمجتمعات والأمم، بقصد حملهم طواعية على اتباع تعاليمه، والعمل على ما جاءت به من: عقائد، وتصورات، وعبادات، ومعاملات، وأخلاق، وآداب، وقيم [8] .

        ومن هنا نحب أن نستوثق من خصائص الداعية، الذي نريده فاقها لعلمي المقاصد وفقه الواقع.. فهو الذي تميز بالخصائص والمواصفات الآتية:

        1 - بلوغ درجات الكمال الروحي والوجداني، من تقوى وإخلاص وإيمان..

        2 - بلوغ درجة الضبط والكمال العقلي والتصوري، فهما وتدبرا ووعيا وإحاطة بالكليات والفروعيات، كعلمي المقاصد وفقه الواقع، ومن عطاءات الفكر الإنساني في مختلف نواحي العلم الديني والدنيوي.

        [ ص: 31 ] 3 - بلوغ درجـة القـدوة السـلوكية والأخـلاقية العمليـة المتـميزة؛ لأن "الداعي هو الذي يصلح حياته لصالح هذه الدعوة قبل كل شيء، فإنه ما إن يشرع في دعوته إلا وترتفع إليه العيون الناقدة والأنوار الكاشفة من كل صوب، فإذا كان في حياته أتفه شيء يتنافى مع دعوته وعقيدته، فإن هؤلاء المحاسبين والمتطوعين يثيرون عليه الضجة، ولا يزالون به حتى يجبروه على الإقلاع عنها.." [9] .

        4 - القدرة والاستطاعة الجسدية.

        5 - السيطرة على وسائل الاتصال والإعلام، التي تمكنه من الاتصال بالمدعوين.

        وهكذا فإن الدعوة إلى الله عمل عظيم، لا يمكن أن يضطلع به كل من هب ودب من عموم المسلمين - على الرغم من كون كل مسلم داعية للإسلام بما عنده من علم وفقه به - لأنه من وظائف ومهام أنبياء الله وخلفائهم من العلماء الوارثين لميراث النبوة.

        وعليه، فإن مدلول مصـطلح الداعية ينصـب على القائـم بالدعـوة إلى الله، والمتمكن منها: علميا ومعرفيا ووجدانيا وإيمانيا وأخلاقيا وتربويا وسلوكيا وعمليا.

        1- 3- الضرورية:

        تشير المادة اللغوية لجذر كلمة (ض، ر، ر) إلى معان كثيرة، ما يهمنا [ ص: 32 ] منها التالية: [10]

        1- الضرر: الضيق والشدة وسوء الحال والنقصان يدخل في الشيء.

        2- والضرر والضراء الشدة والنقص في الأموال والأنفس.

        3- الضرورة الحاجة والفاقة:

        ومن خلال هذه المقاربة اللغوية يمكننا معرفة الضرورة بأنها هي: الحاجة الماسة والأساسية، التي من دونها لا يستوي الأمر أو الشيء.. فهي ما لا يستغنى عنه.

        1- 4- علم المقاصد:

        1- 4- 1- علم:

        تشير المادة اللغوية لجذر كلمة (ع، ل، م) إلى معان كثيرة، ما يعنينا منها التالي [11] :

        1- علم: عرف وأتقن وحوى.

        2- إدراك الشيء بحقيقته.

        3- اليقين والمعرفة.

        4- العلم: (نور يقذفه الله في قلب من يحب، فينتج به ما تسعد به الإنسانية) [12] .

        [ ص: 33 ] ويـطلق مصطلح (العلم) على: "مجمـوعة من المسـائل المتـنوعة، والأصول الكلية المتكون منها الهيكل العام لكل مادة، أو فن؛ كعلم الكونيات وعلم الآثار..." [13] .

        فالعلم هو: الإدراك الجازم المطابق للواقع عن دليل، وهو الظن القوي [14] .. وهو: جنس عام لمجموعة المسائل والقضايا والحقائق والمعارف والتجارب والخبرات والأصول الكلية، التي يتكون منها الهيكل العام لمجال علمي من العلوم، له مصطلحاته ومناهجه الخاصة به.

        1-4- 2- المقاصد:

        تدل المادة اللغوية لفعل (قصد) على المعاني الآتية: الاعتزام، التوجه، النهود، النهوض نحو الشيء على اعتدال كان أو على جور، فالاعتزام والتوجه شامل لهما

        [15] .

        [ ص: 34 ] وعلم المقاصد في الاصطلاح، حسب تعريف عبد الكريم حامدي له، هو: "الغاية والهدف من تصرفات الشارع والمكلفين" [16] .

        وعند علال الفاسي، فإن: "المراد بمقاصد الشـريعة الغاية منها، والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها" [17] ، فهي حكمها وأسرارها.

        و"أهداف الشريعة مقاصدها، التي شرعت الأحكام لتحقيقها" [18] .

        والمقاصد عند ابن عاشور: "المعاني والحكم والأسرار" [19] .

        وهي عند الشاطبي حكمة ومقصدا؛ لأن "الأعمال الشرعية ليست مقصـودة لأنفسـها، وإنما قصـد بها أمور أخرى، هي معانيها، وهي المصالح [ ص: 35 ] التي شرعت لأجلها" [20] .

        ويرتبط علم المقاصد بمجموعة من المصطلحات كالحكمة والعلة، إذ العلة هي: "الحكمة المقصودة من تشريع الحكم" [21] .

        فالعلة هي سبب وضع وتشريع الحكم.. والمقاصد هي المصالح المترتبة عن الحكم الآجل والعاجل.

        والحكمة هي: "المعنى المقصود من تشريع الحكم لتحقيقه أو المصلحة، التي قصد الشارع من تشريعه الحكم تحقيقها" [22] .. فالحكمة والمقاصد شيء واحد ومعنى واحد.. فحكمة الشارع هي مقصده.

        ومن هنا نتبين أن العلة والحكمة والمقصد، مع بعض آليات الشريعة الإسلامية كالتيسير والتخفيف ورفع الحرج عن المكلفين، مصطلحات لعلوم ذات علاقة وطيدة بفهم وفقه (النص) الحكم التشريعي، فالعلة سبب تشريعه، والمقصد معرفة مصلحته من مفسدته على المكلفين، والحكمة [ ص: 36 ] اكتشاف المقصود من تشريعه [23] ، وبعض آليات تطبيقه كالتخفيف والتيسير ورفع الحرج أسـرة معرفية ومصـطلحية ومنهجية واحدة تسير كلها في اتجاه علم المقاصد.

        1- 5- علم فقه الواقع:

        هذا مصطلح مركب إضافي من ثلاث كلمات (علم، فقه، واقع): [24]

        1- 5- 1- فقه:

        تدل المادة اللغوية لجذر كلمة (ف، ق، ـه) على جملة من المعاني، أهمها:

        1- الفقه: هو العلم بالشيء والفهم والفطنة له.

        2- الفقه: اسم علم غلب على علم الدين [25] .

        3- الفقه: هو فهم غرض المتكلم من كلامه [26] .

        فالفقه في اللغة هو: الفهم المطلق، سواء أكان الأمر دقيقا، أم بديهيا، ومنه قوله تعالى: قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول (هود:91) ، وقوله تعالى: فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا (النساء:78) [27] .

        [ ص: 37 ] والفقه اصطلاحا هو: "العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية" [28] .

        والفقه الذي نعنيه هنا هو الفقه الأكبر، والبعد الفقهي المقاصدي والواقعي الأكبر للدين، والرؤية الاستراتيجية لتعاليم الدين وتطبيقاتها الدقيقة والصحيحة في الحياة والناس.

        1- 5-2- الواقع:

        تدل المادة اللغوية لجذر كلمة (و، ق، ع) على جملة من المعاني، أهمها: [29]

        1 - وقع وقوعا، أي: سقط وهوى.

        2 - ثبت، برك، ربض، لقوله تعالى: إذا وقعت الواقعة (الواقعة:1).

        3- وقيعة: صدمة، وواقعة: نازلة وحرب وصدمة، كوقائع العرب، أي: أيام حروبها.

        4- واقعة ووقيعة: حادثة ونازلة مفاجئة.

        [ ص: 38 ] 5- واقع: اسم فاعل من وقع الشيء، أي: وجب، ووقع القول، أي: ثبت، لقوله تعالى: فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون (الأعراف:118) [30] .

        6- وقع بمعنى وجب، لقوله تعالى: وإذا وقع القول عليهم (النمل:82).

        ومن خلال هذه المقاربات اللغوية نتبين الوجه المراد من كلمة واقع، فهو كما نتبين يعني ويدل على: محصلة ومجموع وتفاعل مكونات ما هو موجود وكائن وحاصل وواقع، حياتيا وواقعيا ماديا وشيئيا ومعنويا وروحيا وثقافيا، في زمان أو مكان أو كيان ما والفرد جزء ومكون من مكوناته.

        والكلمة كمصطلح يراد بها - لغويا واصطلاحيا أيضا- ما كان مشـاهدا أو قائـما أو محسـوسـا أو معلوما أو كائنا أو حاصلا على رقعة ما من بسـاط الأرض، له دوره وتأثيره ومكانته في تحديد سير الفرد والجماعة والكيان [31] .

        [ ص: 39 ] التعريف الاصطلاحي لعلم "فقه الواقع":

        1- 5- 3- محاولة صياغة تعريف:

        فعلم فقه الواقع [32] ، هو:

        محصلة وعي وفقه القائم على صناعة وتشكيل وصياغة إحداثيات الخطاب الديني [33] ، وتنزيلاته على مجموع ومكونات وتفاعل العناصر المادية والمعنوية والأدبية المتشابكة وذات الصلة والعلاقة الوطيدة بوجود وبقاء [ ص: 40 ] واستمرار الفرد والجماعة والمجتمع والكيان، سننيا وزمكانيا وكيانيا وإمكانيا [34] .

        وعليه، فخصائص ومميزات هذا التعريف هي:

        1- خلاصة ومحصلة وعي وإدراك وإحاطة عقلية شاملة.

        2 - ركن الفقيه والداعية الواعي والمدرك أساس في نجاح العملية.

        3 - ركن حذق فقه التنزيل أساس في نجاح العملية.

        4 - ركن الإلمام والإحاطة الشمولية بتفاعلات المكونات المادية والمعنوية الواقعية أساس في العملية.

        5- ركن القراءة السننية والتفاعلية الشمولية لأبعاد الواقع الزمكانية والكيانية والإمكانية أساس في نجاح العملية.

        1- 5- نجاح:

        تدل المادة اللغوية لجذر كلمة (ن، ج، ح) على جملة من المعاني، أهمها [35] :

        1- نجح، أي: ظفر بالشيء.

        [ ص: 41 ] 2- نجح وأنجحه الله، أي: يسر له.

        3- النجيح، الصواب من الرأي.

        4- نجح أمره، أي: تيسر وسهل فهو ناجح.

        ومن خلال هذه المقاربات اللغوية نتبين أن المراد منها هو: تيسير الأمر وسهولته، وهو ما نبتغيه للداعية في عمله الدعوي حال إتقانه وتحكمه في علمي المقاصد وفقه الواقع.

        1- 6- العمل الدعوي:

        1 - 2 - 4 - أ- العمل الدعوي:

        من فعل عمل، كفرح، من العمل، والعمل أخص من الفعل؛ لأن الفعل يصدر عن الإنسان والحيوان، كقوله تعالى: الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون (الروم:40).

        والعمل حركة البدن كله أو بعضه، ويطلق على حركة النفس، فهو إحداث أمر، كان قولا أو فعلا بالجارحة أو القلب [36] .. ومنه، نتبين المعنى المراد لإشكاليتنا، وهو الحركة الكاملة والشاملة للإنسان.

        وبعد أن تمهدت لنا الرؤية التعريفية اللغوية والاصطلاحية لمفاهيم بحثنا [ ص: 42 ] الأساسية، واتضحت لنا المعالم الكبرى للرؤية الآفاقية، التي نود استقصاءها وتبين أهميتها وقدرها ومكانتها، نحب فقط أن نصطفي نماذج لأمثلة قرآنية ونبوية وراشدة ومن عمل السلف الصالح لفتح باب رؤيتنا للموضوع المدروس في المبحث الموالي.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية