المطلب الأول
أدوات وثقافة وعدة الداعية الناجح
لا يمكن للداعية الناجح أن يحقق ما يصبو إليه في دعوته خلال إعداده لمشروعه الدعوي، إلا إذا توفرت فيه جملة من المقومات والصفات الفطرية والمكتسبة، وامتلك زمام السيطرة على أطره المرجعية المقدسة وفقه معطيات عصره وواقعه جملة وتفصيلا، وتحلى بأخلاق الإسلام خلال ممارساته الدعوية والحياتية كلها، وحاز على زاد علمي ومعرفي ومنهجي، وبذلك يضمن النجاح لدعوته.. وهاته الأدوات الرئيسة [1] :
- أولا: فقه الأطر المرجعية بكافة بواباتها ومداخلها العلمية والمعرفية والمنهجية، وهي:
1 - القرآن الكريم، عبر تفاسيره: (المأثور، المعقول، الفقهي، اللغوي، الإعجاز البياني والعلمي، الفكري، السياسي، الحركي..) وعلومه وأحكامه كبوابات لعبور مغاليق النص الكريم المقدس واستسبار أحكامه المقدسة.
[ ص: 113 ] 2 - السنة النبوية المطهرة: القولية والعملية والتقريرية، عبر صحاحها وسـننها ومسـانيدها وشـروحها، كمفاتيح تدبر وفهم صحيح لممارسـات رسـول الله صلى الله عليه وسلم الدعوية.
3 - فهم وعمل الصحابة، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، رضوان الله تعالى عليهم.
4 - اجتهادات التابعين وتابعيهم من أعلام الأمة ثم الذين يلونهم، الأمثل فالأمثل.
5 - حركية التاريخ الإسلامي وتعاقباته السننية.
6 - التراكمات المعرفية والعلمية والخبراتية المادية والمعنوية الأفقية والعمودية، التي توصل إليها العالم، عملا بالمبدأ القرآني: أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون (البقرة: 221) [2] .
- ثانيا: فقه الواقع:
ونعني بفقه الواقع: الرؤية الشمولية لكل المعطيات الواقعية: الجغرافية، والديمغرافية الرقمية والرمزية، والفكرية، والفلسفية، والتاريخية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية، والاتصالية، والإعلامية والسياسية... التي تشكل أطر [ ص: 114 ] علاقات المجتمع البشري المحلي والإقليمي والعالمي.. ويدخل في فقه الواقع علم فقه المواقع لكافة مراكز الاستقطاب والتأثير المحلية والعالمية، ومختلف قوى المجتمع الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.. أو ما توصلنا إليه في تعريفنا السابق، وهو:
محصلة وعي وفقه القائم على صناعة وتشكيل وصياغة إحداثيات الخطاب الديني [3] ، وتنزيلاته على مجموع ومكونات وتفاعل العناصر المادية والمعنوية والأدبية المتشابكة وذات الصلة والعلاقة الوطيدة بوجود وبقاء واستمرار الفرد والجماعة والمجتمع والكيان سننيا وزمكانيا وكيانيا وإمكانيا [4] .
وهذا العـلم الواقـعي يفرض على الداعيـة أن يحسن التـعامل مع فقه المواقع والتموقـع، بحيث يتقن فن التموقع، وتوجـيه الخطاب المناسـب من الزاوية المناسـبة وبالمنهجية المؤثرة تجاه فئة من المدعوين دون سواهم عملا [ ص: 115 ] بالمبدأ القرآني: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين (يوسف:108) ، وفي الزمن المناسب [5] ؛ لأن "السلف الذين حملوا الإسلام قديما واقعيين، يعرفون مراد الله بذكاء، وينفذونه بدقة، والإسلام - كما نعرفه من كتاب ربنا وسنة نبينا- فطرة سليمة لا فطرة ملتاثة، وتعاليم يعيها أولو الألباب لا أولو الثقافة القاصرة والأحكام البلهاء. وقد أحس ورثة المدنيات القديمة أنهم أمام عقل أذكى من عقولهم، وخلق أنبل من أخلاقهم، وبر بالشعوب أوسع من برهم، وأدركوا أن صفحتهم يوم تطوى فلكي يرى العالم صفحة جديدة، أملا بالرحمة والعدل يخطها أولئك الذين رباهم محمد صلى الله عليه وسلم .. فهل كذلك الداعون إلى الإسـلام في يوم الناس هذا؟ إن التفكير الواقعي في معالجة شـؤون الناس هو الذي أنجح الإسـلام قديما، وجعل الناس يدخلون في دين الله، أما معظم مسلمي اليوم فأبعد عن قضايا الشعوب المصيرية الشاملة. وأحب أن ألفت الأنظار إلى تغير في الفكر العالمي صبغ الإنسانية الآن، أساس هذا التغير الحفاوة بالمنطق التجريبي، والزهد في المنطق الفلسفي... وعلى الدعاة من سلف وخلف أن يلزموا أسلوب القرآن الكريم في عرض المعتقدات، وأن يشغلوا أنفسهم بتقديم حلول إسلامية [ ص: 116 ] للمشكلات المحدثة والأزمات المادية والأدبية الطارئة..." [6] .
- ثالثا: الحس الحضاري العالي المستوى:
ونعني بالحس الحضاري العالي المستوى لدى الداعية الإسلامي: امتلاكه قدرات السيطرة والتحكم في أهم الوسائل والتقنيات والمناهج والأساليب الحديثة، وقبول النقد والاستفادة من نقد وتوجيهات الآخرين [7] ؛ لأن ".. الداعي إذا كان قد آمن بدعوته صدقا وإخلاصا، فإنه لن يضيق صدرا بما يريش إليه من مختلف الناس من سهام نقدهم واعتراضاتهم، ولن يحاول أن يستر عنهم خطأ إذا وجده في أعماله، ولكنه سـيستفيد من خدماتهم وجهودهم، التي يبذلونها متطوعين لإصلاحه بدون ما أجر ولو بنية المعارضة والمعاداة.." [8] .
- رابعا: الصفات الفطرية والمكتسبة:
وهي مجموع ما وهبه الله سبحانه وتعالى للداعية من: إمكانات وطاقات ومواهب وقدرات وعطـاءات عقلية وجسـدية ووجدانية عملا بالمبدأ القرآني [ ص: 117 ] وما بكم من نعمة فمن الله ... (النحل:53) [9] .
- خامسا: الثقافة الشمولية الواسعة:
الثقافة الشمولية الواسعة ركن أساس في نجاح الداعية، وأس هذه الثقافة كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم عملا بالمبدأ القرآني: كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب (ص:29) ، والعلم النافع والغزير عملا بالمبدأ القرآني: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (محمد:24) ؛ لأن ".. الداعية الذي يريد - أو نريد له - أن ينتصر في معركته على الجهل والهوى والتسلط والفساد، أن يتسلح بأسلحة شتى لازمة له في الدفاع والهجوم.. وأول هذه الأسلحة -ولا ريب- سلاح الإيمان، فبدونه يبطل كل سلاح، وتفشل كل ذخيرة.. وثاني هذه الأسلحة هو: الأخلاق، وهي من لوازم الإيمان الحق وثماره، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسـنهم خلقا.. وثالث هذه الأسـلحة هو: العلم أو الثـقافة، فهذه العدة الفكرية للداعية بجوار العدة الرويحة والأخلاقية الدعوة عطاء وإنفاق، ومن لم يكن عنده علم ولا ثقافة، كيف يعطي غيره، وفاقد الشيء لا يعطيه، ومن لم يملك النصاب كيف يزكي؟" [10] ، والتجربة الثرية والعميقة عملا بالمبدأ القرآني [ ص: 118 ] ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون (الأنبياء:105) [11] ؛ لأن ".. الداعية الذي يحسن استخدام حقائق العلم في المجالات، التي ذكرناها يجد طريقه إلى أذهان الناس وعواطفهم سهلا معبدا، ويقع كلامه من نفس المثقفين العصريين موقع القبول وحسن التأثير، ولعل هذا من أظهر الأسباب وراء نجاح بعض الدعاة المرموقين في عالمنا العربي اليوم.." [12] .
- سادسا: الأخلاق الإسلامية العملية:
وذلك عملا بالمبدأ الإسلامي: "كان خلقه القرآن" [13] ، وعلى رأسها خلق الصبر والعزيمة عملا بالمبدأ القرآني: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم (الأحقاف:35) ،
وروح التفاؤل والأمل عملا بالمبدأ القرآني: إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (يوسف:87) ،
والأمانة عملا بالمبدأ القرآني: إن خير من استأجرت القوي الأمين (القصص:26) ،
وخلق التقوى والإخلاص عملا بالمبدأ القرآني: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين (البينة:5) ،
[ ص: 119 ] ومخالطة الناس والصبر على أذاهم عملا بالمبدأ القرآني: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (الفرقان:63) ،
والتواضع الحقيقي لهم عملا بالمبدأ القرآني العظيم: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين (القصص:83) ،
والرفق والرحمة بهم، عملا بالمبدأ القرآني العظيم: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك (آل عمران:159) ،
والحلم والأناة معهم، عملا بالمبدأ القرآني: إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون (النحل:128) [14] ،
والتربية بالقدوة الصالحة؛ لأن ".. الخلق الحسن، والسلوك الخير هو الذي يغري الناس بالإسلام، وليس السوط والأثرة وحظوظ النفس.. فهل نعيد قراءة سلوكنا في العمل الإسلامي وطرائقنا في الدعوة إلى الله فيكون شعارنا: واخفض جناحك للمؤمنين .." [15] ؟
- سابعا: إدراكه الشامل لحجم التحديات الإعلامية والثقافية والحضارية التي تواجه الوجود الإسلامي:
[ ص: 120 ] وعلى رأس هذه التحديات:
حجم سيولات التدفق الإعلامي الغربي المعادي الموجه لأمتنا العربية والإسلامية، والمتمثلة في الكم الهائل من الحصص والبرامج والخطط والمضامين والرسائل الإعلامية، التي تهاجم بقوة الفرد المسلم عبر ترسانة هائلة من الأجهزة والهيئات والمنظمات، والوسائل المسموعة والمكتوبة والمرئية والإلكترونية، فضلا عن فتن ودعايات الحركات الباطنية والهدامة [16] .
وبهذه المقومات الأساسية، التي عرضناها آنفا، يمكن للداعية الإسلامي أن يكون - بحق - مكافحا ومنافحا ومدافعا حقيقيا عن الإسلام، وعن الوجود الإسلامي، وعن الدعوة الإسلامية، وعن الحضارة الإسلامية ولغتها العربية محليا ووطنيا وإقليميا وعالميا.
ولا يستطيع الداعية أن ينجح في ممارسة عمله الدعوي بغير فقه رشيد لمقاصد الشريعة الإسلامية في جمهور المدعوين، ويظل عمله الدعوي متعثرا [ ص: 121 ] وقاصرا في تبليغ رسالته لتبلبله واضطرابه في الوقوع على مواطن الخطاب الجذاب لقلوب المدعوين، الذين يستجيبون فقط للرسالة التي تدرك ضرورياتهم وتستجيب لحاجياتهم ولا تهمل تحسينياتهم، فقد نقلت لنا المصادر الإسلامية أن الصحابي الجليل عثمان بن مظعون، الجمحي رضي الله عنه [17] ظل وفيا لكلمة الإيمان، التي نطق بها أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة ست سنين من عمر الدعوة الإسـلامية، ولكن أعماقه كانت تعتلج باحثة عما يثلج صدره من الناحية الاجتماعية في تلك التعاليم المنزلة إلى أن نزل قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (النحل:90) ، فلما نزلت وقرأها وفهمها واعتبر بمعانيها وقيمها، قال:
"الآن استقر الإيمان في قلبي، وقلت في قرارة نفسي: إن دينا جاء ليدعو إلى العدل، ولينظم الحياة الاجتماعية هو دين من عند الله لا من عند محمد، فالله الذي يأمر بثلاثة وينهى مقابلهن عن ثلاثة في حياة الأفراد والجماعة هو رب حقيقي، وتعاليمه هي تعاليم حقيقية ليست من صنع محمد، عليه الصلاة [ ص: 122 ] والسلام، بل هي قطب القرآن.." [18] .
وإذا تأملنا في الآية، التي كانت سببا في تعمق واستقرار الإيمان في صدر هذا الصحابي الجليل، لوجدناها آيـة غطت أبعاد الخطاب المقاصدي والاجتماعي لدى هذا الصحابي الجليل، وهي مقصد حقيقي وصرف إذا قيس بموازين ومعايير ومناهج وأدوات البحث الاجتماعي بمختلف فروعه وتخصصاته: المعرفي والعام والسياسي والثقافي والاقتصادي والأخلاقي والتربوي والبيئي والذي هو مقصد من مقاصد الشريعة في حفظ وصيانة ضروريات وحاجيات وتحسينيات المكلفين.
وفي معرض هذا يذكر أستاذنا الراحل الدكتور "محمد التومي" في كتابه القيم "المجتمع الإنسـاني في القرآن الكريم" [19] قـوله:
"ولقد أفادت أسـباب النـزول أن عثـمان بن مظعون الجمحي لما نزلت الآيـة المكية، التي اعتـبرها ابن مسـعـود: "أجـمع آيـة في القـرآن لخـير أو لشـر" [20] ، وهي قوله تـعالى [ ص: 123 ] : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (النحل:90) ، قال: "فذاك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمدا صلى الله عليه وسلم [21] " [22] .
وفي هذا الصدد يرى أستاذنا عبد المجيد النجار "ضرورة العناية بالمقاصد الاجتماعية، أي ذات الغرض الاجتماعي في خدمة وإصلاح المجتمع، كمقصد حفظ الحريات الاجتماعية العامة، كحرية الفكر والتعبير، والحرية السياسية، ومقصد حفظ العدالة الاجتماعية، ومقصد المساواة في الحقوق، ومقصد الشورى في الحكم، وحفظ الكفالة الاجتماعية بسد حاجات الناس للفقراء والمعوزين.." [23] .
[ ص: 124 ] وعليه، فالدين الإسلامي دين القيم الاجتماعية السوية والصادقة؛ لأنه من لدن خالق السموات والأرض، ولذا فقد راعى فيه سبحانه وتعالى هذا المقصد الاجتماعي العظيم.. ولأن العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى مقاصد اجتماعية عظيمة رعاها الشارع الحكيم واختصها بالتعيين.. ولأن التفحش وتجاوز الحدود، والمنكر المسيء لطبيعة الأمور وجبلة الأشياء، والبغي المناقض للعدل، مقاصد منكورة في ذاتها، هادمة ومعطلة لغيرها، كونها تتنافي ومقاصـد الشريعة.
ومن مقاصد الشريعة في الدعوة: حكمة الداعية في عرض حقائق الدين وأحكامه على جمهور المدعوين قولا وعملا، فقد "كان يرى صلى الله عليه وسلم جواز التخفيف في العبادة لحاجة من الحوائـج الدنيوية، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه" [24] .
ومن مظاهر فقه الداعية لهذا الدين: الاقتصاد في العبادة، وترك التنطع، وتحـريم الابتداع والزيـادة في الدين بغرض اكتسـاب الثواب، فقد أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، [ ص: 125 ] فسددوا، وقاربوا، وأبشروا..." [25] .
وهكذا الدين كله، ومقاصده، يسر واقتصاد ومنافع ونظر في واقع الناس.
ومن عظيم مقاصده سبحانه وتعالى بعباده: تنزيل القرآن عليهم منجما طيلة ثـلاث وعشـرين سـنة، تربية وتأديبا وتـعويدا لهم لاعتبارات ومنافع ومقاصد كثيرة جدا، وهو ما يجب أن يستوعبه الدعاة إلى الإسلام خلال ممارسة عملهم الدعوي، .
فليس "من السهل على النفس البشرية أن تتخلى عن ما ورثته من عادات وتقاليد، حيث كان عرب الجاهلية قد توارثوا الكثير من العادات والتقاليد الوثنية والجاهلية، التي لا تتفق وشريعة الإسلام، كوأد البنـات وشـرب الخمر وحرمان البنات من الميراث وغير ذلك من العادات، التي جاء الإسلام وحاربها، فاقتضت رحمة الله تعالى أن ينزل أحكامه شـيئا فشـيئا، تهيئة للنفوس وتدرجا بها لترك ما تعلقت به من عادات، فكان الإسـلام كلما نجح معهم في هدم باطل، انتقل إلى هدم آخر حتى طهرهم منها دون حرج ولا عنت" [26] .
وبناء على ما سـبق، ومن خلال هذا التأسيس المرجعي السـريع من [ ص: 126 ] كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وبعض الإطلالات المقاصدية لهذا الدين، نتبين من مبلغ حكمته وعلمه في معرفة أسرار ومقاصد التشريع وقدرته على سـياسـة النفـوس في التربيـة والإصـلاح، وهي جـزء من الحـكمـة القـرآنيـة، الـتي تعلمها عن طريق الوحي في قوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج (الحج:78) ، وقـوله: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر (البقرة:185) [27] .
وبعد أن تبينا ثقافة وزاد الداعية الناجح، ننتقل إلى المطلب الثاني التطبيقي لنرى كيفيات استثمار الداعية لثقافته الشاملة في تسديد الرؤية المقاصدية والواقعية لأثر العبادات في الأنفس والأفراد والجماعات.
ولنأخذ - على سبيل المثال- حذق الداعية وفهمه للأبعاد المقاصدية والواقعية لعبادة الصيام كعبادة سنوية، وكيفية تصوره ورؤيته لها، أثناء إعداده لخطابه الدعوي، ومنازل تأثيرها في محال ومجال التنزيل.
[ ص: 127 ]