المقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلقد عهدنا أن الحروب، قديمها وحديثها، لا تبقي ولا تذر، بل هي ميدان يظهر فيه الإنسان أبشع ما عنده من سلوكيات وممارسات لا تعرف للرحمة سبيلا، ولا للإنسان احتراما، فضلا عن كونها وبالا على الحضارة.
ولا أجانب الصواب إن قلت: إن حروب المسلمين بعامة، وحروب الصدر الأول من تاريخ الإسلام بخاصة لم تكن كذلك، وهو ما تدعمه شهادات كثير من غير المسلمين، علاوة على ما أثبتته مصادرنا من وقائع وأفعال وممارسـات تؤكد أن حروب المسـلمين كان لها شـأن آخر مختلف، ولا يمنع من ذلك وجود استثناء ما هنا أو هناك، إذ لم يكن المسلمون ملائكة، ولكن الله تعالى سـيباهي بهم الملائـكة بما تمثـلوه في قتـالهم من أحكام شرعها لهم.
وفي معركة خيبر، تجلت الروح الإنسانية والحضارية للمسلمين بعامة، ونبيهم بخاصة وهو يقود القتال ويوجهه ويسدي تعليماته وأوامره، التي جاءت لتحمل قيم البناء والتحضر لا قيم الهدم والتخريب.. قيم سامية تربط الفعل [ ص: 5 ] الإنساني الأرضي ببعد أخروي، يجعل كل عمل وجهد له غاية هي أسمى من البحث عن نتائجها على الأرض، بل يتردد صداها ليبلغ الآخرة أيضا، التي هي مجمع طموح كل مسلم في سعيه على هذه البسيطة.
وجاءت هذه الدراسة المتواضعة لتتبع وتستقرئ ما تلمسناه من أفعال وأقوال احتوتها أيام الغزوة وما أعقبها من تداعيات، ولطالما عني المؤرخون، قديما وحديثا، بنقل أخبار الحروب والمعارك على وفق تصور نمطي تقليدي يتبين فيها القتل وحده، والخراب وحده، المنهزم يجر أذيال خيبته، والمنتصر شامخ بعزه ومجده على جثث المنهزمين، إلا أنني هنا أسعى إلى تقديم تصور مختلف تماما، هو ما وجدته من قيم حضارية رفيعة تجلت في معركة فتح حصون خيبر.
ولا يفوتني هنا أن أشكر مؤرخنا العتيد (محمد بن واقد الواقدي) الذي رسم لنا بانوراما تفصيلية لأيام معركة خيبر بدقائقها، ما لم يفعله مؤرخ سواه، بل إنه زار خيبر ومكث فيها برهة من الزمن ليكون بوسعه تخيل أجـواء القتال، ثم ليؤدي إلينا بعد ذلك الأحداث بأقرب ما يكون إلى الفهم والتصـور، فجزاه الله خير الجزاء.
والحمد لله تعالى أولا وآخرا، الذي وفقني لأن أرى في معركة خيبر بعدا إيجابيا ملحوظا ومميزا عكس الوجه المشرق للمسلمين حتى في ميدان الحرب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [ ص: 6 ]