[ ص: 511 ] الخلع [ الافتداء ] - مسألة : الخلع ، وهو : الافتداء ، فلها أن تفتدي منه ويطلقها ، إن رضي هو ؟ وإلا لم يجبر هو ؟ ولا أجبرت هي ؟ إنما يجوز بتراضيهما . إذا كرهت المرأة زوجها ، فخافت أن لا توفيه حقه ، أو خافت أن يبغضها فلا يوفيها حقها
ولا يحل الافتداء إلا بأحد الوجهين المذكورين ، أو باجتماعهما ، فإن وقع بغيرهما فهو باطل ، ويرد عليها ما أخذ منها ، وهي امرأته كما كانت ، ويبطل طلاقه ويمنع من ظلمها فقط .
ولها أن تفتدي بجميع ما تملك ، وهو طلاق رجعي ، إلا أن يطلقها ثلاثا ، أو آخر ثلاث ، أو تكون غير موطوءة .
فإن جاز ذلك أحبت أم كرهت - ويرد ما أخذ منها إليها . راجعها في العدة
ويجوز ، ولا يجوز بمال مجهول ، لكن بمعروف محدود ، مرئي ، معلوم ، أو موصوف . [ ص: 512 ] قال الفداء بخدمة محدودة : أبو محمد ؟ فلم تجزه طائفة ، واختلف الذين أجازوه ؟ فقالت طائفة : لا يجوز إلا بإذن السلطان . واختلف الناس في الخلع
وقالت طائفة : هو طلاق - وقالت طائفة : ليس طلاقا .
ثم اختلف القائلون : إنه طلاق - : فقالت طائفة : هو رجعي كما قلنا ؟ وقالت طائفة : هو بائن .
وقالت طائفة : لا يجوز إلا بما أصدقها ، لا بأكثر .
وقالت طائفة منهم : فإن أخذ أكثر أحببنا له أن يتصدق به .
وقالت طائفة : يجوز بكل ما تملك .
وقالت طائفة : لا يجوز الخلع إلا مع خوف نشوزه وإعراضه ، أو أن لا تقيم معه حدود الله تعالى .
وقالت طائفة : لا يجوز الخلع إلا بأن يجد على بطنها رجلا .
وقالت طائفة : لا يجوز الخلع إلا بأن تقول : لا أطيع لك أمرا ، ولا أغتسل لك من جنابة .
واختلفوا في - : فقالت طائفة : ينفذ ويتم . الخلع الفاسد
وقالت طائفة : يرد ويفسخ - :
فأما من قال : لا يجوز الخلع - فكما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا عقبة بن أبي الصهباء قال سألت بكر بن عبد الله المزني عن الخلع ؟ قال : لا يحل له أن يأخذ منها ؟ قلت : فقول الله عز وجل في كتابه { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } قال : نسخت هذه ، وذكر أن الناسخ لها قوله تعالى : { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا }
قال : واحتج من ذهب إلى هذا - : بما حدثناه أبو محمد عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق بن السليم نا نا ابن الأعرابي محمد بن إسماعيل الصائغ نا نا عفان بن مسلم حماد نا عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي قال : [ ص: 513 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ثوبان } . أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة
وبما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا - نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه المخزومي - هو المغيرة بن سلمة - نا وهيب عن عن أيوب السختياني الحسن البصري عن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أبي هريرة } . قال المنتزعات والمختلعات هن المنافقات الحسن : لم أسمعه من . أبي هريرة
قال : فسقط بقول أبو محمد الحسن أن نحتج بذلك الخبر .
وأما الخبر الأول - فلا حجة فيه في المنع من الخلع ، لأنه إنما فيه الوعيد على السائلة الطلاق من غير بأس - وهكذا نقول وليس في البأس أعظم من أن يخاف ألا يقيم حدود الله في الزوجة .
وأما الآيتان فليستا بمتعارضتين ، إنما في التي نزع بها " بكر " تحريم أخذ شيء من صداقها إثما مبينا وبهتانا - وهذا لا شك فيه - وليس فيهما نهي عن الخلع أصلا .
وقال تعالى : { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا }
وفي الآية الأخرى : فليس إثما ولا عدوانا ، وما كان هكذا فلا يحل [ القول به ، ولا ] أن يقال : فيه ناسخ أو منسوخ إلا بنص ، بل الفرض الأخذ بكلا الآيتين لا ترك إحداهما للأخرى - ونحن قادرون على العمل بهما - بأن نستثني إحداهما من الأخرى . حكم الخلع بطيب النفس منها
قال : قال الله عز وجل : { أبو محمد وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير }
وقال تعالى : { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } فهاتان الآيتان قاضيتان على كل ما في الخلع .
[ ص: 514 ] وأما من منع منه بغير إذن السلطان - فروينا من طريق عن وكيع يزيد بن إبراهيم التستري ، وربيع - هو ابن صبيح - كلاهما عن الحسن البصري قال : لا يكون خلع إلا عند السلطان .
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد نا يحيى - هو ابن عتيق - أنه سمع يقول : كانوا يقولون : لا يجوز الخلع إلا عند السلطان . محمد بن سيرين
ومن طريق عن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني قال : لا يكون الخلع إلا حتى يعظها ، فإن اتعظت وإلا ضربها ، فإن اتعظت وإلا ارتفعا إلى السلطان ، فيبعث حكما من أهلها وحكما من أهله يرفع كل واحد منهما إلى السلطان ما يسمع من صاحبه ، فإن رأى أن يفرق فرق ، وإن رأى أن يجمع جمع . سعيد بن جبير
قال : وهذا كله لا حجة على تصحيحه . أبو محمد
قال تعالى : { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }
وأما ، فاحتج بما - نا من قال الخلع ليس طلاقا محمد بن سعيد بن نبات نا نا ابن مفرج عبد الله بن جعفر بن الورد نا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف نا نا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد أنه سمع نافع مولى ابن عمر وهي تخبر ربيع ابنة معوذ ابن عفراء : أنها اختلعت من زوجها على عهد عبد الله بن عمر ، فجاء عمها إلى عثمان بن عفان فقال : إن عثمان اختلعت من زوجها اليوم أفننتقل ؟ فقال ابنة معوذ : لننتقل ولا ميراث بينهما لها ، ولا عدة عليها ، إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة - خشية أن يكون بها حمل ؟ فقال عثمان : عبد الله بن عمر فعثمان أخبرنا وأعلمنا .
فهذا ، عثمان والربيع - ولها صحبة - وعمها - وهو من كبار الصحابة - ، كلهم لا يرى في الفسخ عدة . وابن عمر
[ ص: 515 ] ومن طريق نا أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد هو القطان سفيان عن عمرو بن دينار عن عن طاوس قال : الخلع : تفريق ، وليس بطلاق . ابن عباس
ومن طريق عن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار عن أنه سأله طاوس عن إبراهيم بن سعد ؟ قال رجل طلق امرأته تطليقتين ، ثم اختلعت منه ، أينكحها : نعم ، ذكر الله الطلاق في أول الآية وفي آخرها ، والخلع بين ذلك . ابن عباس
ومن طريق عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال : كان أبي لا يرى الفداء طلاقا ويجيزه بينهما - وقال ابن طاوس أخبرني ابن جريج : عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس يقول : ما أجازه المرء فليس بطلاق .
وروينا من طريق قال : رأيت أبي كأنه يذهب إلى قول عبد الله بن أحمد بن حنبل : أن الخلع ليس طلاقا - وهو قول ابن عباس ، إسحاق بن راهويه ، وأبي ثور وأصحابه . وأبي سليمان
وأما من قال : إنها تطليقة - فكما روينا من طريق عن حماد بن سلمة عن أبيه عن هشام بن عروة جمهان أن أم بكرة الأسلمية كانت تحت عبد الله بن أسيد فاختلعت منه ، فندما فارتفعا إلى ؟ فأجاز ذلك - وقال : هي واحدة إلا أن تكون سميت شيئا ، فهو على ما سميت . عثمان بن عفان
ومن طريق نا أبي بكر بن أبي شيبة عن علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن طلحة بن مصرف إبراهيم النخعي عن علقمة عن قال : لا تكون طلقة بائنة إلا في فدية أو إيلاء . ابن مسعود
ورويناه من طريق لا تصح عن . [ ص: 516 ] علي بن أبي طالب
وبهذا يقول الحسن ، ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وشريح والشعبي ، وقبيصة بن ذؤيب ، ، ومجاهد ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وإبراهيم النخعي والزهري ، ، ومكحول وابن أبي نجيح ، ، وعروة بن الزبير والأوزاعي ، ، وسفيان الثوري ; وأبو حنيفة ، ومالك . والشافعي
قال : أما احتجاج من احتج بأن الله تعالى ذكر الطلاق ، ثم الخلع ، ثم الطلاق ؟ فنعم ، هو في القرآن كذلك ، إلا أنه ليس في القرآن أنه ليس طلاقا ، ولا أنه طلاق ، فوجب الرجوع إلى بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم . أبو محمد
فنظرنا في ذلك - فوجدنا ما روينا من طريق عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة : أنها أخبرته عن { حبيبة بنت سهل الأنصارية ، فذكرت اختلاعها من زوجها ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثابت بن قيس بن الشماس لثابت : خذ منها ؟ فأخذ منها ، وجلست في أهلها } .
ومن طريق أحمد بن شعيب نا محمد بن يحيى المروزي حدثني شاذان بن عثمان أخو عبدان نا نا أبي علي بن المبارك عن : أخبرني يحيى بن أبي كثير : { محمد بن عبد الرحمن أخبرته - فذكرت اختلاع ربيع بنت معوذ ابن عفراء امرأة ثابت بن قيس منه - وأن أخاه شكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت فقال له : خذ الذي لها وخل سبيلها ؟ قال : نعم ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة ، وتلحق بأهلها } . أن
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر عمرو بن مسلم عن عكرمة مولى ابن عباس قال : { امرأة ثابت بن قيس من زوجها فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة } ، قالوا : فهذا يبين أن الخلع ليس طلاقا ، لكنه فسخ ؟ قال اختلعت : أما حديث أبو محمد الذي ذكرنا آنفا فساقط ، لأنه مرسل - وفيه عبد الرزاق عمرو بن مسلم - وليس بشيء .
وأما خبر الربيع وحبيبة - فلو لم يأت غيرهما لكانا حجة قاطعة .
لكن روينا من طريق نا البخاري أزهر بن جميل نا نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي خالد - هو الحذاء - عن عكرمة عن { ابن عباس امرأة ثابت بن قيس أتت [ ص: 517 ] النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ما أعتب عليه في خلق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ثابت بن قيس } فكان هذا الخبر فيه زيادة على الخبرين المذكورين [ والزيادة ] لا يجوز تركها ، وإذ هو طلاق ذكر الله عز وجل عدة الطلاق ، فهو زائد - على ما في حديث أن الربيع - والزيادة لا يجوز تركها .
وبالله تعالى التوفيق .
قال : إلا أن الحنفيين ، والمالكيين - لا يجوز لهم الاحتجاج بهذا الخبر على أصولهم الفاسدة ، لأن من قولهم : إذا خالف الصاحب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم دل على نسخه أو ضعفه ، كما فعلوا في رواية أبو محمد ، عائشة { وابن عباس } . من مات وعليه صيام صام عنه وليه
وهذا الخبر لم يأت إلا من طريق ، والثابت عن ابن عباس ما ذكرنا آنفا من أن الخلع ليس طلاقا . ابن عباس
وأما نحن فلا نلتفت إلى شيء من هذا ، إنما هو ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا به - والحمد لله رب العالمين .