236 - مسألة :
الفرض والنوافل ما لم ينتقض تيممه بحدث أو بوجود الماء ، وأما المريض فلا ينقض طهارته بالتيمم إلا ما ينقض الطهارة من الأحداث فقط . والمتيمم يصلي بتيممه ما شاء من الصلوات
وبهذا يقول أبو حنيفة وسفيان الثوري والليث بن سعد . [ ص: 356 ] وروينا أيضا عن وداود عن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد الحسن قال : يصلي الصلوات كلها بتيمم واحد مثل الوضوء ما لم يحدث .
وعن قال : سمعت معمر الزهري يقول : التيمم بمنزلة الماء . يقول يصلي به ما لم يحدث . وعن عن قتادة قال : صل بتيمم واحد الصلوات كلها ما لم تحدث ، هو بمنزلة الماء وهو قول سعيد بن المسيب يزيد بن هارون ومحمد بن علي بن الحسين وغيرهم .
وقال : لا يصلى صلاتا فرض بتيمم واحد ، وعليه أن يتيمم لكل صلاة فإن تيمم وتطوع بركعتي الفجر أو غيرهما فلا بد له من أن يتيمم تيمما آخر للفريضة فلو تيمم ثم صلى الفريضة جاز له أن يتنفل بعدها بذلك التيمم . مالك
وقال : يتيمم لكل صلاة فرض ولا بد ، وله أن يتنفل قبلها وبعدها بذلك التيمم . الشافعي
وقال : يتيمم لكل صلاة . شريك
وروي مثل قول عن شريك إبراهيم النخعي والشعبي وربيعة وقتادة ، وهو قول ويحيى بن سعيد الأنصاري الليث بن سعد وأحمد وإسحاق .
وقال : يتيمم لكل وقت صلاة فرض إلا أنه يصلي الفوائت من الفروض كلها بتيمم واحد . أبو ثور
قال : أما قول علي فلا متعلق له بحجة أصلا ، لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة ولا بقياس ، ولا يخلو التيمم من أن يكون طهارة أو لا طهارة ، فإن كان طهارة فيصلي بطهارته ما لم يوجب نقضها قرآن أو سنة ، وإن كان ليس طهارة فلا يجوز له أن يصلي بغير طهارة . مالك
وقال بعضهم : ليس طهارة تامة ولكنه استباحة للصلاة .
قال : وهذا باطل من وجوه : أحدها أنه قول بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل . والثاني أنه قول يكذبه القرآن . علي
قال الله تعالى : { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم } فنص تعالى على أن التيمم طهارة من الله تعالى .
والثالث : أنه تناقض منهم لأنهم قالوا ليس طهارة تامة - ولكنه استباحة للصلاة ، [ ص: 357 ] وهذا كلام ينقض أوله آخره ; لأن الاستباحة للصلاة لا تكون إلا بطهارة ، فهو إذن طهارة لا طهارة .
والرابع أنه هبك أنه كما قالوا استباحة للصلاة ، فمن أين لهم أن لا يستبيحوا بهذه الاستباحة الصلاة الثانية كما استباحوا به الصلاة الأولى ؟ ومن أين وجب أن يكون استباحة للصلاة الأولى دون أن يكون استباحة للثانية ؟ وقالوا : إن طلب الماء ينقض طهارة المتيمم وعليه أن يطلب الماء لكل صلاة . قلنا لهم : هذا باطل ، أول ذلك إن قولكم ، إن طلب الماء ينقض طهارة المتيمم دعوى كاذبة بلا برهان ، وثانيه أن قولكم : أن عليه باطل وأي ماء يطلب ؟ وهو قد طلبه وأيقن أنه لا يجده ؟ ثم لو كان كذلك ، فأي ماء يطلبه المريض الواجد الماء ؟ فظهر فساد هذا القول جملة ، لا سيما قول طلب الماء لكل صلاة في بقاء الطهارة بعد الفريضة للنوافل وانتقاض الطهارة بعد النافلة للفريضة ، وبعد الفريضة للفريضة ، وطلب الماء على قولهم يلزم للنافلة ولا بد ، كما يلزم للفريضة ، إذ لا فرق في وجوب الطهارة للنافلة كما تجب للفريضة ولا فرق ، بلا خلاف به من أحد من الأمة وإن اختلفت أحكامها في غير ذلك ، لا سيما وشيخهم الذي قلدوه - مالك - يقول في الموطأ : ليس المتوضئ بأطهر من المتيمم ، ومن تيمم فقد فعل ما أمره الله تعالى به . مالك
وأما قول فظاهر الخطأ أيضا ، لأنه أوجب تجديد التيمم للفريضة ولم يوجبه للنافلة ، وهذا خطأ بكل ما ذكرناه . الشافعي
وأما قول فظاهر الخطأ أيضا ، لأنه جعل الطهارة بالتيمم تصح ببقاء وقت الصلاة وتنتقض بخروج الوقت وما علمنا في الأحداث خروج وقت أصلا ، لا في قرآن ولا سنة ، وإنما جاء الأمر بالغسل في كل صلاة فرض أو في الجمع بين الصلاتين في المستحاضة ، والقياس باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا ، لأن قياس المتيمم على المستحاضة لم يوجبه شبه بينهما ولا علة جامعة ، فهو باطل بكل حال ، فحصلت هذه الأقوال دعوى كلها بلا برهان وبالله تعالى التوفيق . أبي ثور
فإن قالوا إن قولنا هذا هو قول ابن عباس وعلي وابن عمر [ ص: 358 ] وعمرو بن العاص
قلنا أما الرواية عن فساقطة لأنها من طريق ابن عباس الحسن بن عمارة وهو هالك وعن رجل لم يسم .
وأما الرواية عن فإنما هي عن عمرو بن العاص عن قتادة ، عمرو بن العاص لم يولد إلا بعد موت وقتادة ، والرواية في ذلك عن عمرو بن العاص علي أيضا لا تصح ، ولو صحت لما كان في ذلك حجة ، إذ ليس في قول أحد حجة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم . وابن عمر
وأيضا فإن تقسيم مالك والشافعي لم يرو عن أحد ممن ذكرنا ، فهم مخالفون الصحابة المذكورين في كل ذلك ، وأيضا فقد روي نحو قولنا عن وأبي ثور أيضا ، فصح قولنا وبالله التوفيق . ابن عباس
وقد قال بعضهم : لما قال الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم } إلى قوله : { فتيمموا صعيدا طيبا } قال فأوجب عز وجل الوضوء على كل قائم إلى الصلاة ، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات بوضوء واحد خرج الوضوء بذلك عن حكم الآية ، وبقي التيمم على وجوبه على كل قائم للصلاة .
قال رضي الله عنه : وهذا ليس كما قالوا ، لا سيما المالكيين والشافعيين المبيحين للقيام إلى صلاة النافلة بعد الفريضة بغير إحداث تيمم ولا إحداث طلب للماء ، فلا متعلق لهاتين الطائفتين بشيء مما ذكرنا في هذا الباب ، وإنما الكلام بيننا وبين من قال بقول علي ، فنقول وبالله التوفيق : إن الآية لا توجب شيئا مما ذكرتم ، ولو أوجبت ذلك لأوجبت غسل الجنابة على كل قائم إلى الصلاة أبدا ، وإنما حكم الآية في إيجاب الله تعالى الوضوء والتيمم والغسل إنما هو على المجنبين والمحدثين فقط ، بنص آخر الآية المبين لأولها ، لقول الله تعالى فيها : { شريك وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } ولا يختلف اثنان من الأمة في أن ههنا حذفا دل عليه العطف وإن معنى الآية : وإن كنتم مرضى أو على سفر فأحدثتم أو جاء أحد منكم من الغائط ، فبطل ما شغبوا به .
بل لو قال قائل إن حكم تجديد الطهارة عند القيام إلى الصلاة إنما هو بنص الآية إنما هو على من حكمه الوضوء لا على من حكمه التيمم ، لكان أحق بظاهر الآية [ ص: 359 ] منهم ، لأن الله تعالى لم يأمر قط بالتيمم في الآية إلا من كان محدثا فقط ، لا كل قائم إلى الصلاة أصلا ، وهذا لا مخلص لهم منه ألبتة ، فبطل تعلقهم في إيجاب تجديد التيمم لكل صلاة بالآية وصارت الآية موجبة لقولنا ، ومسقطة للتيمم إلا عمن كان محدثا فقط ، وأن التيمم طهارة صحيحة بنص الآية ، فإذ الآية موجبة لذلك فقد صح أنه يصلي بتيمم واحد ما شاء المصلي من صلوات الفرض في اليوم والليلة وفي أكثر من ذلك ومن النافلة ، ما لم يحدث أو يجنب أو يجد الماء بنص الآية نفسها والحمد لله رب العالمين .