[ ص: 235 ] مسألة :
فمن في كل ما ذكرنا مما أصابه بعد ذلك - : فإن علم بذلك : أزال الثوب - وإن بقي عريانا - ما لم يؤذه البرد ، وزال عن ذلك المكان ; وأزالها عن بدنه بما أمر أن يزيلها به ، وتمادى على صلاته وأجزأه ولا شيء عليه غير ذلك . أصاب بدنه أو ثيابه أو مصلاه شيء فرض اجتنابه بعد أن كبر سالما
فإن نسي حتى عمل عملا مفترضا عليه من صلاته ألغي ، وأتم الصلاة ، وأتى بذلك العمل كما أمر ، ثم يسجد للسهو ، وإن كان ذلك بعد أن سلم ، ما لم تنتقض طهارته ; فإن انتقضت أعاد الصلاة متى ذكر .
فإن لم يصبه ذلك إلا في مكان من صلاته لو لم يأت به لم تبطل به صلاته مثل قراءة السورة التي مع أم القرآن ، أو ما زاد على الطمأنينة في الركوع والسجود ، والجلوس بين السجدتين ، والرفع من الركوع ، والجلوس بعد التشهد - : فصلاته تامة ; وليس عليه إلا سجود السهو فقط ؟ فإن تعمد ما ذكرنا : بطلت صلاته ; وكان كمن لم يصل ، ولا فرق ، لا يقدر على الصلاة إلا في وقتها ؟ فصح الآن أن الناسي يعيد أبدا ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } ؟ . من نسي صلاة أو نام عنها فيصلها إذا ذكرها
والناسي : هو الذي علم الشيء ثم نسيه ، وبعض الصلاة : صلاة بنص حكم اللغة والضرورة .
وهكذا الحكم فيمن نسي الطهارة ، أو بعض أعضائه ، أو نسي ستر عورته ؟ فإن ابتدأ صلاته كذلك أعادها أبدا .
وصح : أن العامد لا يقدر على الصلاة إلا في وقتها ; وكل ما ذكرنا في ذلك سواء وأما الجاهل : وهو الذي لا يعلم الشيء إلا في صلاته أو بعدها ؟ كمن كان في ثيابه ، أو بدنه ، أو في مكانه - : شيء فرض اجتنابه لم يعلم به ؟ فإنه يعيد كل ما صلى كذلك في الوقت كذلك [ ص: 236 ] وكذلك من انكشفت عورته ، وهو لا يرى .
وكذلك من جهل فرضا من فروض طهارته ، أو صلاته ثم علمها - : فإن هؤلاء لا إعادة عليهم إلا في الوقت فقط ، لا بعد الوقت ؟ برهان ذلك - : أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في أرض الحبشة وغيرها ، والفرائض تنزل ; كتحويل القبلة ، والزيادة في عددها ، وغير ذلك ؟ فلم يأمرهم عليه السلام بإعادة شيء من ذلك ; إذ بلغه ذلك ، وأمر الذي رآه لم يتم صلاته أن يعيدها .
فصح بذلك - : أن يأتي بما جهل من كل ما ذكرنا إذا علمه ; ما دام الوقت قائما فقط ؟ وأما المكره ، والعاجز ; لعلة أو ضرورة ؟ فإنه في كل ما ذكرنا - : إن زال الإكراه ، أو الضرورة بعد الصلاة - : فقد تمت صلاته ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } ؟ . إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم
وإن زال ذلك في الصلاة بنى على ما مضى من صلاته ; فأتمها كما يقدر واعتد بما عمل منها قبل أن يقدر ، ولا سجود سهو في ذلك - ، وبالله تعالى التوفيق .
برهان ذلك - : ما ذكرناه قبل : إن كان عمل مأمور به ، فهو فيها جائز - كثر أو قل ، وإزالة ما افترض على المرء اجتنابه في الصلاة مأمور به فيها ; فهو جائز في الصلاة ؟ وأما قولنا : وإن بقي عريانا ; فلأنه قد اجتمع عليه فرضان - : أحدهما : ستر العورة ; والثاني : اجتناب ما أمر باجتنابه ؟ ولا بد له من أحدهما .
فإن صلى غير مجتنب ; لما أمر باجتنابه ؟ فقد تعمد في صلاته عملا محرما عليه ; فلم يصل كما أمر ; فلا صلاة له ؟ .
وإذا لم يجد ثوبا أمر بالاستتار بمثله ; فهو غير قادر على الاستتار ; ولا حرج على المرء فيما لا يقدر عليه [ ص: 237 ] قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .
وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } ، وليس المرء مضطرا إلى لباس ثوب يقدر على خلعه ، ولا إلى البقاء في مكان يقدر على مفارقته ، وهو مضطر إلى التعري إذا لم يجد ما أبيح له لباسه ; فإن خشي البرد فهو حينئذ مضطر إلى ما يطرد به البرد عن نفسه ; فيصلي به ، ولا شيء عليه ; لأنه مباح له حينئذ ؟ وأما قولنا : إن نسي حتى عمل عملا مفترضا عليه في صلاته ألغاه ، وأتم الصلاة وأتى بذلك العمل كما أمر ، وإن كان بعد أن سلم ، ما لم تنتقض طهارته ؟ .
فلما قد ذكرناه من سقوط ما نسيه المرء في صلاته ، وأن ذلك لا يبطل صلاته ؟ ; ولقول الله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } .
ولما سنذكره من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم { } بأن يتم صلاته ويسجد للسهو ; وهذا قد زاد في صلاته ساهيا ما لو تعمده لبطلت صلاته . من سها في صلاته فزاد أو نقص
وأما قولنا : إن انتقضت طهارته أعادها أبدا متى ذكر ؟ فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه { } ، وبعض الصلاة صلاة عليه ففرض أن يصليها ، وأن يأتي بما نسي ، وبما لا يجزئ - إذا ما نسي - إلا به ، من وضوء أو غسل ، أو ابتداء الصلاة على ترتيبها ، إلى أن يتم ما نسي من صلاته إلا به . من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها
وأما قولنا : إن لم يصبه ذلك إلا في مكان من صلاته لو تعمد تركه لم تبطل صلاته بذلك ، إلى آخر كلامنا ; فلأنه قد وفى جميع أعمال صلاته سالمة كما أمر ; وكانت تلك الأعمال الزائدة ، وإن كانت الصلاة جائزة دونها - : فإنها في جملة الصلاة ، وفي حال لو تعمد فيها ما تبطل به الصلاة لبطلت صلاته ، وكان منه فيها ما كان ناسيا فزاد في صلاته [ ص: 238 ] عملا بالسهو لا يجوز له فليس عليه إلا سجود السهو ، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مما سنذكره في باب سجود السهو إن شاء الله تعالى .
وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة للقذر الذي كان فيهما ، وعن الحسن إذا رأيت في ثوبك قذرا فضعه عنك وامض في صلاتك ، وقد أجاز ، أبو حنيفة : غسل الرعاف في الصلاة ؟ فأما الصلاة بالنجاسة : فإن ومالك قال : لا يعيد العامد لذلك والناسي إلا في الوقت ؟ قال مالكا : وهذا خطأ ; لأنه لا يخلو من أن يكون أدى الصلاة التي أمر بها كما أمر ، أو لم يؤدها كما أمر ; فإن كان أداها كما أمر فلا يحل له أن يصلي في يوم واحد ظهرين ، ولا معنى لإعادته صلاة قد صلاها ؟ ، وإن كان لم يؤدها كما أمر فمن قوله أن يصلي من لم يصل أبدا ; فظهر بطلان هذا القول ؟ . علي
وأيضا : فإنه يقال لهم : أخبرونا عن الصلاة التي تأمرونه بأن يأتي بها في الوقت ولا تأمرونه بها بعد الوقت : أفرض هي عندكم أم نافلة ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث ؟ وبأي نية يصليها ؟ أبنية أنها الفرض اللازم له في ذلك الوقت أم بنية التطوع ؟ أم بلا نية ، لا لفرض ولا لتطوع ؟ فإن قلتم : هي فرض ولا يصليها إلا بنية الفرض ; فمن أصلكم الذي لم تختلفوا فيه : أن الفرض يصلى أبدا ، ولا يسقط بخروج الوقت فيه ، فهذا تناقض وهدم لأصلكم .
وإن كانت تطوعا وتأمرونه بأن يدخل فيها بنية التطوع فإن التطوع لا يجزئ بدل الفرض في الدنيا ، ولا يحل لأحد أن يتعمد ترك الفرض ويصلي التطوع عوضا من الفرض ; ولا يحل لأحد أن يفتيه بذلك بلا خلاف من أحد ; بل هو خروج الكفر بلا شك وإن قلتم : لا يصليها بنية فرض ولا تطوع ؟ كان هذا باطلا متيقنا ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { } فهذا لا عمل له ، إذ لا نية له ، ولا شيء له ، فقد أمرتموه بالباطل الذي لا يحل وأما إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فإنه قال : يعيد أبدا في العمد ، والنسيان قال الشافعي : وهذا خطأ ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { علي } ; ولقول الله تعالى : { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما [ ص: 239 ] استكرهوا عليه ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } .
وقال : من أبو حنيفة : - أي نجاسة : بطلت صلاته عامدا كان أو ناسيا ؟ فإن كانت قدر الدرهم البغلي فأقل ; فصلاته تامة في العمد ; والنسيان ؟ فإن كانت أكثر من قدر الدرهم البغلي ، وكانت في موضع وضع يديه ، أو في موضع وضع ركبتيه ، أو حذاء إبطيه : فصلاته تامة في العمد ، والنسيان واختلف عنه إذا كانت في موضع وقوع جبهته في السجود . كانت النجاسة في موضع قدميه في الصلاة وكانت أكثر من الدرهم البغلي
فمرة قال : صلاته تامة في العمد ، والنسيان ، ومرة قال : صلاته باطلة في العمد ، والنسيان ; وبه يقول . زفر
وقال كذلك في كل ما ذكرنا ، إلا أنه قال : إن كانت في موضع سجوده : فسدت تلك السجدة - وحدها خاصة - وكأنه لم يسجدها ؟ وإن سجدها ما دام في صلاته تمت صلاته - وإن لم يسجدها حتى أتم صلاته بطلت صلاته كلها ؟ وكانت حجتهم في هذا أسقط من قولهم ; وهو أنهم قالوا : لو لم يضع يديه ولا ركبتيه في السجود لم يضر ذلك صلاته شيئا بخلاف قدميه قال أبو يوسف : وهذا احتجاج للباطل بأشنع ما يكون من الباطل وإنما هو استخفاف بالصلاة ، ويلزم على أحد قوليه أن تتم صلاته ، وإن لم يضع جبهته بالأرض لغير عذر . علي
قال : ومن أبو حنيفة ، فإن كان إذا تحرك في صلاته لقيام أو ركوع أو سجود تحركت النجاسة - : بطلت صلاته ، وإلا فلا ؟ وقال صلى وفي ثوبه نجاسة أكثر من قدر الدرهم إلا أنها في موضع يسجيه ، وليس على شيء من جسمه : المصلي المبطن بمنزلة ثوب واحد ، إن كان في الباطنة أكثر من قدر الدرهم غير نافذة إلى الوجه بطلت الصلاة . أبو يوسف
وقال : لا تبطل ، وهما ثوبان قال محمد : وهذه أقوال ينبغي حمد الله تعالى على السلامة منها ، ولا مزيد ، [ ص: 240 ] ولا سلف لهم في شيء منها ثم العجب قولهم لمن أخذ بأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم الذين يقرون بصحة نقله وبيانه : قولوا لنا : من قال بهذا قبلكم ؟ فيا للمسلمين أيعنف من أخذ بالقرآن والسنة ، التي أجمع المسلمون على وجوب طاعتهما ، حتى يأتي باسم من قال بذلك ؟ ولا يعنف من قال برأيه - مبتدئا دون موافق من السلف - مثل هذه الأقوال الفاسدة المتناقضة ؟ وحسبنا الله ، ونعم الوكيل - وله الحمد على هدايته لنا وتوفيقه إيانا ؟ أبو محمد