4 - مسألة : وأنه . برهان ذلك أنه لو فعل شيئا مما فعل لعلة لكانت تلك العلة إما لم تزل معه وإما مخلوقة محدثة ولا سبيل إلى قسم ثالث ، فلو كانت لم تزل معه لوجب من ذلك شيئان ممتنعان : أحدهما أن معه تعالى غيره لم يزل ، فكان يبطل التوحيد الذي قد أبنا برهانه آنفا ; والثاني أنه كان يجب إذ كانت علة الخلق لم تزل أن يكون الخلق لم يزل ، لأن العلة لا تفارق المعلول ، ولو فارقته لم تكن علة له ، وقد أوضحنا آنفا برهان وجوب حدوث العالم كله . وأيضا فلو كانت ههنا علة موجبة عليه تعالى أن يفعل ما فعل لكان مضطرا [ ص: 24 ] مطبوعا أو مدبرا مقهورا لتلك العلة ، وهذا خروج عن الإلهية ، ولو كانت العلة محدثة لكانت ولا بد إما مخلوقة له تعالى وإما غير مخلوقة ، فإن كانت غير مخلوقة فقد أوضحنا آنفا وجوب كون كل شيء محدث مخلوقا ، فبطل هذا القسم . وإن كانت مخلوقة وجب ولا بد أن تكون مخلوقة لعلة أخرى أو لغير علة ، فإن وجب أن تكون مخلوقة لعلة أخرى وجب مثل ذلك في العلة الثانية وهكذا أبدا ، وهذا يوجب وجوب محدثين لا نهاية لعددهم . وهذا باطل لما ذكرنا آنفا وبأن كل ما خرج إلى الفعل فقد حصره العدد ضرورة بمساحته أو بزمانه ولا بد ، وكل ما حصره العدد فهو متناه . فبطل هذا القسم أيضا وصح ما قلناه ولله تعالى الحمد . وإن قالوا : بل خلقت العلة لا لعلة . سألوا : من أين وجب أن يخلق الأشياء لعلة ويخلق العلة لا لعلة ؟ ولا سبيل إلى دليل . خلق كل شيء لغير علة أوجبت عليه أن يخلق